ترتدي هذه المرحلة الكثير من المخاطر المحدقة بالبلد وحرب غزة تخيّم على لبنان وبدت ارتداداتها وانعكاساتها على الداخل اللبناني بحسب مصادر سياسية متابعة واضحة المعالم وكأن الجنوب اللبناني عاد الى حقبة السبعينات والثمانينات زمن «فتح لاند» والفصائل الفلسطينية وجبهات الرفض، الى استعماله صندوق بريد من ليبيا القذافي آنذاك الى الجزائر وسوريا وصولاً الى الاتحاد السوفياتي الراحل والآن ايران، وغيرها من الدول التي لها نفوذ واجنحة عسكرية في لبنان، ما يعني أن البلد دخل في جحيم غزة عبر تحريك ساحته الجنوبية و«الحركشة» عبر صواريخ «لقّيطة» وأخرى معروف من خلفها والجهات التي تحركها، والمخاوف هنا من ان يتوسع «بيكار» الحرب الغزاوية وعندها لهيبها سيطال لبنان نظراً لما تحتويه ارضه الخصبة من تنظيمات فلسطينية واسلامية وغيرها الكثير من القوى الحزبية والعسكرية التي بامكانها ان تشعل هذه الجبهة او تلك والتي بالمحصّلة لن تقتصر على الساحة الجنوبية وإنما على المستوى اللبناني بشكل عام.
وفي هذا السياق، ينقل عن اوساط ديبلوماسية مطلعة، ان تقارير ديبلوماسية غربية وصلت الى المسؤولين اللبنانيين تفيد عن تحذيرات وصلتهم عبر أقنية متعددة مفادها هنالك توجه من اسرائيل لاشعال الساحة اللبنانية في حال استمر تساقط الصواريخ على المدن الاسرائيلية، وفي الوقت عينه تشير الاوساط الى ان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي العائد من نيويورك قام باتصالات حثيثة وعلى اعلى المستويات بغية ضبط ايقاع الساحة الجنوبية وعدم خروج الامور عن اطارها، وصولاً الى المخاوف من تخطي الخط الازرق والعودة الى ما قبله.
ولفتت الاوساط الى انه قبيل هذه التطورات العسكرية في الجنوب، كان بلامبلي وفق معلومات رفيعة المستوى مرتاحاً لما نُمي اليه من كبار المسؤولين في اروقة الجمعية العامة للامم المتحدة حول توافق دولي واجماع على إبقاء الوضع في لبنان ممسوكاً ومنضبطاً وعدم وصول النيران السورية والعراقية اليه، وهذا الجو نقله رؤساء عواصم كبرى وعمم في الامم المتحدة معتبرين استقرار لبنان بمثابة الخط الاحمر للمجتمع الدولي، ولكن بعد حرب غزة اضحت الأمور في مكان آخر وليس في وسع أي طرف اقليمي ودولي ضبط الأمور في حال تصاعدت العمليات العسكرية وخرجت عن إطارها المرسوم لها، ولهذه الغاية فان المسؤول الأممي يحاول خلال تواجده في مقر الجمعية العامة للامم المتحدة القيام باتصالات حثيثة مع الجهات الدولية والاقليمية الفاعلية والمعنية بالملف اللبناني خوفاً من خروج الأمور عن نصابها بعد تنامي العمليات الميدانية في غزة والى ما يجري في سوريا والعراق، وعندها لن يكون هنالك اهتمام للمجتمع الدولي بلبنان وقيام اسرائيل حينها بارتكاب حماقات واعتداءات دون رقيب وحسيب.
واكدت الأوساط ان الديبلوماسية اللبنانية في هذه المرحلة شبه معطلة وليس في البلد حراك سياسي وديبلوماسي على مستوى المرحلة وما يجري حول لبنان من حروب مشتعلة، اضافة الى الانقسامات الداخلية والخلاف حول ما يحصل في سوريا، بمعنى ثمة تدخل من اطراف لبنانية في الحرب السورية وربما العراقية، فهذه العناوين والأمور تعيق توحيد الجهد السياسي والديبلوماسي في إطار وطني جامع من اجل لجم أي عدوان إسرائيلي على لبنان، والأمر عينه التوجه الى المجتمع الدولي بموقف لبناني موحد، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود في ظل هذا الواقع الانقسامي وفي خضمّ التباينات الهائلة حول كل الملفات الداخلية وسواها.