جنيف
جلسات طويلة بدأها الثلثاء الماضي مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وتلتها متابعة مُسهَبة في جلسات الأمس تناولت تقرير لجنة تقصّي الحقائق في سوريا الذي تضمّن عرضاً مفصّلاً لواقع الانتهاكات في البلاد، في الفترة الممتدّة من 15 آذار الماضي إلى 15 حزيران الجاري، فما هي أبرز ملاحظاته؟
إعتبر التقرير الذي تلاه رئيس اللجنة باولو سيرجيو بينيريو أنّ النزاع في سوريا بلغَ مرحلة بات يهدّد فيها المنطقة كلّها، وطالب مجلس الأمن بمساءلة جميع مرتكبي الجرائم بحقّ الشعب السوري، وعدم الاستمرار في التراخي حيال هذا النزاع الذي أفسحَ الطريق أمام أسوأ مظاهر الإنسانية لتخرج للعلن.
وفنَّد التقرير أنواعاً مختلفة من المعاناة والانتهاكات عاشَها الشعب السوري بنحو يومي وممنهج خلال السنوات الاربع الفائتة، وقال إنّ «الناس عُذّبوا حتى الموت داخل مراكز الاعتقال في دمشق، الرجال قطِعت رؤوسهم في الساحات العامة في الرقّة، النساء يحملن ندوبَ الاستغلال الجنسي، والأطفال يتمّ استخدامهم وتجنيدهم في القوات المقاتلة». وأضاف: «يعيش السوريّون في عالم أصبح فيه قرار الخروج إلى الصلاة في المساجد أو لشراء الطعام من السوق أو إرسال الاطفال الى المدارس مسألة حياة أو موت». واعتبر «أنّ القوات غير الحكومية فقدَت السيطرة على مناطق مختلفة، نظراً لسوء معاملة المدنيّين فيها، وعدم القدرة على تحسين الوضع الإنساني واحتكار المصادر المتوافرة تحت سيطرتِهم». وأشار إلى أنّ «المقاتلين الأجانب استمرّوا في الالتحاق بالجبهات بسبب الحدود غير المؤمّنة وتنامي شبكات التجنيد العالمية».
وردّت سوريا على هذا التقرير ببيان تلاه القائم بالأعمال بالنيابة في البعثة السورية في الأمم المتّحدة محمد المحمد، اتّهم فيه اللجنة بالاعتماد على «شهادات مزيّفة لضحايا مزعومين وشهود هاربين من العدالة»، ولفتَ إلى «انحيازٍ شابَ صدقية التقرير ولم يتّهم صراحةً بالإسم دوَلاً متورّطة في الحرب». وأشار إلى الدور التركي في دعم «الإرهابيين الذين اجتاحوا بلدة كسَب عابرين إليها من الحدود الشمالية بدعم الحكومة التركية الواضح والمكشوف».
واعتبر البيان السوري الذي تجاوزَ في طولِه الوقتَ المتاح أنّ التقرير «تجاهلَ تدافع الملايين داخل سوريا وخارجها ليحدّدوا خياراتهم الديموقراطية»، وقال مصدر قريب من البعثة السورية في جنيف لـ»الجمهورية» إنّ «الانحياز والتسييس واضحان في تقرير اللجنة، وعلى الرغم من الغطاء الإنساني لهذه الجلسة، إلّا أنّ مضمونَها سياسيّ، والمواقف المسبَقة من النظام برزَت في مداخلات الاتّحاد الأوروبي وفرنسا وسواها». واعتبر المصدر أنّ النظام السوري «مارسَ واجباته الدستورية في حماية شعبه ومكافحة الإرهاب، خصوصاً أنّ الإرهاب بات يهدّد العالم ككُل وأنّ نارَه ستطاول كلّ مَن يغذّيه ويموّله في هذه الحرب».
وأضاف المصدر أنّ لجنة التحقيق «تجاهلت الرابط الموضوعي بين ازدياد الجرائم الارهابية وتردّي الوضع الانساني في البلاد». وأشار إلى أنّ روسيا في طور التحضير لبيانٍ سيقدّم في الدورة الحاليّة لمجلس حقوق الإنسان، سيكون داعماً لموقف النظام السوري. وعلمت «الجمهورية» من مصادر دبلوماسية داخل المقرّ الأممي أنّ هذا البيان الروسي «سياسي مُغلّف بطابع إنساني، سيطرح مسألة تعميم نموذج حمص على مناطق مختلفة من سوريا، في اعتباره نموذجاً ناجحاً في الإمكان اعتماده في حلّ النزاع القائم».
يُذكر أنّ التقرير ارتكزَ على 300 مقابلة جُمعَت من خلالها تفاصيل حول عدد كبير من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، واتّهم النظام السوري بالاستمرار في استخدام البراميل المتفجّرة في مناطق مختلفة من سوريا، وأشار إلى «أنّ النظام حقّق مكاسب صغيرة لكن ثابتة على الأرض، خصوصاً في بعض المناطق الاستراتيجية كحمص ودمشق وحلب، وهذه المكاسب «تحقّقت عن طريق الهجمات العشوائية والحصار الطويل الأمَد، والدعم الخارجي»، وأشار إلى «أنّ الحصار الذي رُفع عن حمص ومعضمية الشام اعتُبر حلّاً مقبولاً لكثيرين لكنّ ثمنَه كان مرتفعاً».