عشية وصول جون كيري الى أربيل في الاسبوع الماضي كان مسعود البارزاني يعلن صراحة ان العراق لن يعود الى ما كان عليه، وعلى رغم ان المحادثات بينهما توقفت عند حدود الحديث عن قيام دولة فيديرالية في العراق، فان التطورات العاصفة اسقطت كل هذه النظريات.
من حيث الشكل اعلن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إقامة “الخلافة الاسلامية” مبايعاً ابو بكر البغدادي” خليفة على المسلمين”، وهذا مجرد إعلان عن سلسلة من الحروب المذهبية التي ستطول، وقد تنتهي فعلاً بسيطرة جغرافية عابرة للحدود بين العراق وسوريا، لكن الدولة الكردية التي لطالما شكّلت حلماً تاريخياً عارضته تركيا وايران وسوريا وايران، باتت الآن في قبضة اليد!
ان تعاون اميركا وايران في ادارة المذبحة السورية بعناية، على امتداد أكثر من ثلاثة اعوام وفق خرائط موضوعة بدقة، والانهيار السريع والمشبوه وربما المرسوم والذي لا يصدّق للجيش العراقي، الذي قيل ان عديده وصل الى مليون وتكاليفه تجاوزت الـ١٢٠ مليار دولار، يشكلان المدخل السوري – العراقي المزدوج الى التقسيم، الذي لن يتوقف بالتأكيد في العراق، فلطالما كانت الخطط تستهدف تفتيت المنطقة، بما يعني ان دومينو اعادة رسم الخرائط الذي يهدر في شمال العراق سيشمل المنطقة كلها.
سيقال طبعاً اننا في الطريق الى محيطات من الدماء والمآسي، وان نصف قرن من المذابح على الاقل ستمسك برقاب الجميع، فها هو امين مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني محسن رضائي يدعو من اقليم اذربيجان صراحة، الى التطوّع من اجل الحرب في العراق: “عليكم ان تستعدوا… ان هناك عاشوراء وكربلاء اخرى في الطريق”، وها هي “داعش” بكل وحشيتها وبطشها الدموي تعلن بالتوازي دولة الخلافة، وها هم فرّيسيو السياسة يستعدون لاقتسام العراق كبداية لتقسيم الاقليم!
تنقل “الفايننشال تايمس” عن حسين سيليك الناطق بلسان حزب العدالة والتنمية التركي قوله: “استعدوا لقبول دولة كردية مستقلة في شمال العراق فالتقسيم أمر حتمي. ان الاكراد اشقاؤنا”، ومن الواضح جداً ان اردوغان سيجد بالتعاون مع البارزاني، الذي سبق له ان سوّى مشكلة عبدالله اوجلان مع انقرة، حلولاً تريح الطرفين، كردياً ونفطياً بالنسبة الى الاتراك الذين سيريحهم ايضاً الوخز الكردي في خواصر الايرانيين.
اما ايران التي سبق لها ان استولت على عدد من حقول النفط في جنوب العراق، فستضمن حصتها من الكعكة العراقية لتصبح قوة نفطية كبرى. واما الوسط العراقي الذي تم “تدعيشه” فسينقل التقسيم الى سوريا، لكن له مهمات اميركية – ايرانية خطيرة، تمتد الى الاردن لجعله مقبرة القضية الفلسطينية بعدما تم تسريح مارتن انديك وانتهى الحل السلمي، لتبدأ محاولات تصدير “التدعيش” الى السعودية ودول الخليج!