لا يمل بعض المسؤولين الإيرانيين من تذكير العرب واللبنانيين والسوريين بالتاريخ الإمبراطوري القديم لبلادهم في معرض المفاخرة بامتداد نفوذهم إلى البحر الأبيض المتوسط، فيثيرون حفيظة هؤلاء.
آخرهم كان أحد قادة الحرس الثوري السابقين الجنرال إبراهيم همداني، الذي قال إن بشار الأسد يقاتل بالنيابة عن إيران، وإن بلاده مستعدة لإرسال 130 ألف مقاتل من «الباسيج» إلى سورية جُندوا في مختلف المحافظات الإيرانية، وعن تشكيل «حزب الله» السوري. وقبله كان مستشار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الفريق يحيى رحيم صفوي أعلن أن حدود بلاده الغربية تصل إلى جنوب لبنان، في إشارة إلى ذراع إيران في لبنان، أي «حزب الله»، وإلى الوجود المباشر للحرس. لكن الأهم في كلامه قوله إنها المرة الثالثة التي يبلغ فيها «نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط»، في إشارة أخرى إلى حدود الإمبراطوريتين الفارسيتين «الأخمينية» في السنة 550 قبل الميلاد، و «الساسانية» في السنة 226 بعد الميلاد. وبين التصريحين أذيع خبر عن أن بين جثث الذين يعادون إلى إيران نتيجة القتال في سورية، أفغاناً من اللاجئين إلى بلاد فارس من بلادهم.
في عودة سريعة إلى مراجع التاريخ القديم، أن الإمبرطورية «الأخمينية» بلغت أوجها باحتلال آسيا الوسطى والصغرى وغزو جيوشها جنوب روسيا ومناطق الخليج والمشرق من بابل في بلاد الرافدين إلى بلاد الشام إلى مصر. وانهزم الأخمينيون على يد الإسكندر الأكبر المقدوني الذي أقام إمبراطوريته على أنقاضهم. أما الإمبراطورية «الساسانية»، فقد انهزمت على يد الفتح الإسلامي في القرن السادس، بعد أن كان توسعها في بعض أوروبا أدى إلى حروب مستمرة أنهكتها مع الرومان.
تقول كتب التاريخ (موسوعة ويكيبيديا) إن «ملوك الفرس اهتموا بتنظيم جهاز الأمن الذي كان يتولاه موظفون عرفوا باسم أعين الملك وآذانه، وكانت مهمته المراقبة والتفتيش في الولايات وإطلاع الملك على أحوالها… ولتنظيم الاتصال بين العواصم والولايات شُقّت الطرق وطُوّر البريد وأُصلحت الطرق القديمة… ونظمت الرحلات البحرية الاستكشافية للتعرف إلى خطوط جديدة للاتصال… وتراكمت نتيجة ذلك ثرواتٌ كبيرة بلغت أطناناً من الفضة والذهب. وكانت الدنانير تنفق في تجنيد المرتزقة وشراء ضمائر العملاء قبل تحريك الجيوش. ولقلة النقد من المعادن الثمينة، لجأ ملوك فارس إلى الاستقراض والاستدانة بالفائدة، ولجأت الدولة الفارسية إلى فرض تصنيع ما كانت تحتاج إليه من الفخار والزيت والخمور على الولايات الغربية في آسيا الصغرى ومصر وسورية، لكن فرض الضرائب كان يؤدي إلى انتفاضات محلية كما وقع في مصر التي استردت استقلالها من الاحتلال الفارسي».
كان سقوط الإمبراطوريتين الإيرانيتين متزامناً مع الصعوبات الداخلية التي عاناها كل منهما نتيجة البطش الذي مارسه ملوكهما على الشعب، وفي الحالتين كانت هناك مبالغات في تصوير اتساع دولة فارس في العصور القديمة، لأن بلاد فارس كانت إبان الإمبراطوريتين في حال حروب مع الدول الأخرى، وبالتالي لم تكن في أي عصر ثابتة الحدود، التي كانت تتسع في أيام الملوك الأقوياء وتنقبض في عصور الضعفاء.
من المؤكد أن الأحلام الإمبراطورية للمسؤولين الإيرانيين الحاليين لا تتبع وسائل الحكام القدامى، وإن كانوا يتوسلون بعضها الآن. وفي المقابل، فإن من يقاومون التوسع الإمبراطوري الموهوم لا يستخدمون الأساليب نفسها للقوى التي أجبرت حكام فارس في العصور القديمة على الانكفاء عن مساحات توسعت فيها، فليست الحروب هي التي تشكل الخيارات المطروحة عند الدول الغربية والعربية لتقليص حدود ايران. تعتمد هذه الدول «القوة الناعمة» وحرب المال والاقتصاد والعقوبات كأساس في الصراع على امتداد النفوذ وتشكيل الأذرع الأمنية، إضافة إلى المواجهات الأمنية مع «جهاز الأمن الإيراني، الذي يشكل عيون الملك الفارسي وآذانه».
وإذا كان سيمر وقت قبل أن تعود طهران إلى حدودها الطبيعية، فإنها بالقدر الذي تعلن عن تمدد حدودها فإنها ستبقى في حالة حرب مع خصومها للحفاظ على هذه الحدود المترامية، رغما عن أصحاب الحدود الأصليين. وهي لا تبدو مستعدة للتفاوض على أي من هذه الحدود حتى الآن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أو إلى أن ينتهي التفاوض على الملف النووي داخل حدودها الأصلية.