Site icon IMLebanon

تمديد للمجلس أو انهيار النظام

على أهمية إجراء الانتخابات النيابية كمبدأ ديموقراطي، ورغم أن معظم النواب لا يستحقون يوماً إضافياً في المجلس، إلا أن ثمة استحقاقات مصيرية ووجودية وسياسية تفرض التمديد، ليس كخيار بل كأمر واقع

رغم أن انتخابات عام 2014 دفنت قبل أن تولد، لا يزال في لبنان من يكابر حتى اللحظة الاخيرة في «دعمه إجراء الانتخابات كمبدأ ديموقراطي»، مع علمهم المسبق بأن قطار التمديد انطلق، وأن المزايدات الحالية قد تكون سيفاً ذا حدّين. فترف الديموقراطية اليوم لا يعادله إلا خطر انهيار النظام، في ظل الاحوال الامنية الراهنة.

تعطي الاسباب الموجبة التي أوردها النائب نقولا فتوش، في اقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمه لإنهاء ولاية المجلس الحالي في 20 حزيران عام 2017، إطاراً كافياً ومقنعاً للقوى السياسية التي ستصوّت الى جانب التمديد للمجلس النيابي. ويستند الى أمثلة دستورية من فرنسا ومصر وتونس ومواد فقهية في تبرير الظروف الاستثنائية التي تفرض التمديد للمجلس النيابي، كمثل الأخطار الداهمة والفتن والشغب والحروب والأزمات السياسية والاضطرابات والعصيان المسلح والمؤامرات والتعديات على الجيش.

يورد فتوش أسباباً مبررة لمن يؤيد التمديد وفق مبادئ دستورية، ولكن أيضاً وفق معطيات سياسية وأمنية، مستنداً الى الوضع الامني الذي تحدث عنه قائد الجيش العماد جان قهوجي في مؤتمره الصحافي مع بدء معركة عرسال، فيعدد المخاطر التي تمنع إجراء العملية الانتخابية، وتعذر حماية هذا اليوم الانتخابي على كامل الاراضي اللبنانية.

المسيحيون عاشوا هاجس المؤتمر التأسيسي والانتقال من المناصفة الى المثالثة

إذاً في القانون يمكن للقوى السياسية أن تستند الى ذرائع مقنعة لعدم إجراء الانتخابات النيابية، لكن في السياسة ثمة أسباب موجبة كثيرة، تعني القوى السياسية والمسيحيين منهم تحديداً.

حتى الآن يبدو المشهد الانتخابي عملية مقايضة لا أكثر، لأن الجميع يعرف ضمناً أن الانتخابات النيابية لن تحصل ولا يمكن أن تحصل، تماماً كما كان الجميع يعرفون أن الانتخابات الرئاسية لن تجرى في موعدها. والمقايضة تتم حالياً بين أفرقاء معروفة مواقفهم: السنّة وبعض مسيحيي 14 و8 آذار كانوا يرفضون سابقاً عقد جلسات تشريعية في ظل حكومة تصريف الاعمال، في حين كان الرئيس نبيه بري يصرّ على التشريع ويستفيض في توسيع جدول الاعمال. اليوم لا ينفك بري يردّد تأييده لإجراء الانتخابات ورفضه التمديد، لأن هذا المجلس لا يشرع، في حين يريد السنّة وبعض المسيحيين التمديد للمجلس الحالي، في وقت يجري فيه تداول الحديث عن إمكان المقايضة بين التمديد وعقد جلسة لسلسة الرتب والرواتب. وعملية شد الحبال هذه ستنتهي عاجلاً أو آجلاً الى تسوية بالحد الادنى المقبول، لإبقاء عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية على السواء.

وضرورة هذه التسوية يجب أن تعني المسيحيين بالدرجة الاولى قبل غيرهم، إذ إن المسيحيين عاشوا منذ أعوام عدة هاجس المؤتمر التأسيسي والمس باتفاق الطائف والانتقال من المناصفة الى المثالثة. هواجس كانت مبررة ومستندة في أيام مفصلية الى شواهد وأمثلة. لكن منذ مدة طوي الحديث عن المس بالطائف، وسط عودة الطرفين الشيعيين الى إعلان التمسك به وعدم تعديله، في حين لا تزال تطل أصوات مسيحية من حين الى آخر تطالب بتعديله من أجل إعادة بعض صلاحيات رئيس الجمهورية.

مشكلة الإصرار على إجراء الانتخابات النيابية اليوم وعدم القبول بالتمديد، بعيداً عن مزايدات بعض المتمسكين بالديموقراطية شعاراً، أنه يمكن أن تؤدي وسط متغيرات أمنية متسارعة يعيشها لبنان والمنطقة الى تعذر إجراء الانتخابات لأسباب أمنية في بعض المناطق في البقاع أو الشمال. فإجراء العملية الانتخابية يحوي مخاطر كبيرة، ولأن الظروف تصبح متغيرة بين يوم وآخر، من هو الذي يمكنه أن يضمن سلامة العملية الانتخابية في يوم واحد في كل لبنان، بعد أسبوع أو حتى شهر من الآن، في حين أن عناصر الجيش والقوى الامنية لم يخرجوا بعد من وطأة ارتدادات معركة عرسال والتهديدات المتكررة بتوتير أوسع مدى في البقاع الشمالي ومناطق أخرى.

ولأن الامن يطرح إشكالية كبيرة، كيف يمكن بالسياسة أن يترجم عدم إجراء انتخابات نيابية مع رفض التمديد للمجلس النيابي.

الحصيلة الاولى التي تتخوف منها الاوساط المؤيدة للتمديد لأسباب عقلانية، هي أن عدم إجراء الانتخابات قد يفسح المجال أمام الانتقال الى حالة انهيار النظام في شكل كامل، في ظل الشغور الرئاسي وفي ظل تحول الحكومة إلى أشبه بحكومة تصريف أعمال، بسبب عدم وجود سلطة تشريعية. وانهيار النظام قد يفضي في نهاية المطاف، وبعد مخاض عسير ومداولات إقليمية ودولية، الى إنتاج ما يشبه طاولة الحوار كمؤتمر تأسيسي، أو حتى رعاية خارجية لإعادة إنتاج السلطة في لبنان. فمن من المسيحيين العاقلين لا يخشى أن يتحول أي مؤتمر من هذا النوع الى إعادة النظر في الطائف الذي لا يزال يشكل آخر وأهم حصانة للمسيحيين.

والنقطة الثانية هي ربط الانتخابات النيابية بالانتخابات الرئاسية. فعلى افتراض أنه جرت العملية الانتخابية، وقدمت الحكومة استقالتها، من يضمن أن الانتخابات الرئاسية يمكن أن تحصل، بينما لم يتمكن لبنان من إنجاز الاستحقاق رغم وجود مجلس نيابي وحكومة تعمل بالحد الأدنى؟ وهل سيقبل ممثّلو السنّة بإعادة تعويم المجلس النيابي كسلطة تشريعية، في غياب الرئاسة الثانية. الأكيد أنهم لن يرتضوا لأنفسهم ما ارتضاه المسيحيون لأنفسهم، لذا تسير قيادة المستقبل بالتمديد في حين يتريث المسيحيون في إعطاء رأي جازم، مشترطين التمديد لستة أشهر فقط، وهي لا تكاد تكفي لتغيير المشهد السياسي والامني في ظل الظروف التي تحيط بلبنان والمنطقة.