Site icon IMLebanon

توازن الرعب بين «داعش» و«حزب الله»

احياناً قد تكون السياسة فن المستحيل مثلما هي فن الممكن!

بعد فوات الأوان يدعى الى نشر القبعات الزرق على حدودنا مع سوريا. الغريب ان هناك من يحصر الدعوة في البقاع الشمال لا، مع ان ابا محمد الجولاني، وقبل ان يتقهقر امام ابي بكر البغدادي، خطط لاقامة امارة اسلامية تمتد من الحدود الى مدينة طرابلس، وقيل اكثر بكثير.

واضح ان هذه الدعوة في اتجاه واحد، اي ان يمنع اي تواصل لوجيستي او عملاني بين «حزب الله» في لبنان ومقاتليه في سوريا. قد يكون بعضنا يعاني من فائض الغباء، لا احد يعترض على اللاءات التي ترفع في وجه الحزب. هذه مسألة بديهية ولا تقبل الجدل، خصوصاً عندما نعيش هذه الضوضاء السياسية والمذهبية. ولكن يفترض بنا ان نبقى في اطار المعقول. لنترك اللامعقول لغيرنا حين نكون على تخوم الهاوية ان لم نكن داخل الهاوية.

كان ثمة نائب لوزير الخارجية الاميركية ويدعى ريتشارد ارميتاج (نائب كولن باول) قال ان «حزب الله» هو فريق الارهاب الاساس مع انه لم يخدش حائطاً في نيويوروك او غيرها، اما تنظيم القاعدة الذي ضرب العظمة الاميركية في عقر دارها فهو الفريق الاحتياط.

ما دمنا جزءاً من تلك الجدلية الاميركية، نستنتج، او هي القناعة التي يتفوه البعض بها، ان «حزب الله» اشد خطراً على لبنان من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ومن «جبهة النصرة». الدليل هو في التصريحات اليومية التي تلعلع في الاذاعات او على الشاشات. وفي تصريح واحد ذكر قطب سياسي كلمة «حزب الله» ست عشرة مرة مقابل مرة واحدة لـ«داعش». لماذا لا ندعو ابا بكر البغدادي الى العشاء؟ زجاجة الشامبانيا جاهزة.

حين قيل لاحدهم ان طول الحدود بين لبنان وسوريا هو 375 كليومتراً، اما طول الحدود مع اسرائيل فهو 75 كيلومتراً، ومع ذلك تم جمع الجنود الدوليين بشق النفس، اجاب ان اقفالها في البقاع يكفي. استطرد قائلاً انه لا حاجة لعدد كبير من الجنود، فالمراقبة تتم هذه الايام بالاجهزة المتطورة.

هل يحسب الرجل ان الحدود بين لبنان وسوريا هي الحدود بين فرنسا وسويسرا او بين اسوج وفنلندا؟ غريب ان يتحدث قطب سياسي بهذه اللغة البهلوانية، وهو الذي يعلم ان ارييل شارون مشى عام 1982 فوق القبعات الزرق ووصل الى بيروت بل والى ابعد من بيروت، وان الطائرات الاسرائيلية التي لا تزال تختال يومياً في الاجواء اللبنانية دمرت الجنوب عام 1996، ثم دمرت الضاحية في عام 2006، فيما كانت القوات الدولية تبعث بتقارير وصفية الى نيويورك لتتبعثر في الاروقة الديبلوماسية هناك.

لنفترض اننا نصبنا اجهزة الرصد، وقامت هذه بمراقبة التحركات في الاتجاهين، فماذا سيتغير على الارض وفي السياسة، وفي الديبلوماسية ؟ كل ما في الامر ان مسلحي «داعش» و«النصرة» سيتخذون من القبعات الزرق رهائن، رهائن بخمس نجوم، ولا بد ان يستولوا على الاجهزة المتطورة ويستخدموها لحماية مواقعهم.

القوات الدولية نشرت في الجنوب ليقال ان المجتمع الدولي هناك، وان الخط الازرق هو الفاصل بين الحرب والسلام، وان كان توازن الرعب الذي تشكل بين «حزب الله» واسرائيل هو الخط الازرق، كما هو الخط الاحمر، فهل من رهان الآن على توازن الرعب بين «داعش» و«حزب الله»؟

لا شك ان على الساحة اللبنانية من هو مستعد لاستضافة ابي بكر البغدادي حتى في غرفة نومه.

واذا كان الشيء الحسن الذي فعله النظام السوري في لبنان هو انه قاد، في اطار دولي وعربي، عملية اعادة بناء الدولة في لبنان بعد حرب اهلية قطعت اوصاله، فان ممارسات كثيرة وكثيرة على الارض اخذت اشكالاً هائلة ولا يمكن لاحد التغاضي عنها او نسيانها، وان كنا نعلم ان كل ذلك كان يجري بتعاون تام، وبتفاهم تام، بل بتواطؤ تام مع اولئك الذين نقلوا البارودة من كتف الى كتف، ولطالما تحدثنا عن ازمة الضمير السياسي في لبنان.

لكن النظام اياه لم يعد كما كان. الازمة هزته بنيوياً وفلسفياً، ودون ان نغفل في اي حال ان ثمة من خطط لتقويض سوريا الدولة والدور. هذا لا يعني، باي حال، ان النظام الذي عاش الحصار كان مثالياً وانه اخذ كلياً بديناميات التحديث السياسي والاجتماعي. ولكن اين هو النموذج العربي الذي يحتذى به في هذه الحال.

نستعيد قولاً لتوماس فريدمان «لكأن الشيطان هو حوذي الشرق الاوسط». هل يقل هولاً ذلك الغول الايديولوجي عن الشيطان الذي نتصور انه ازيح جانباً من زمان. صلاحياته انيطت بالقياصرة وبالحاشية بطبيعة الحال.

نحن امام « داعش» التي يعرف القاصي والداني انها ليست موجودة في الجرود فقط، بل في الاحياء، وفي الزوايا، وفي مخيمات النازحين التي يشترط التنظيم ان تكون مقفلة امام الدولة كما هي المخيمات الفلسطينية، فالى اي مدى نهرب من تلك الحقيقة القائلة ان مواجهة هؤلاء المغول لا يمكن ان تكون فعالة الا بالتفاهم مع النظام في سوريا، ومهما قيل في هذا النظام.

لا مجال البتة للمقارنة، ولكن الم ينصح رئيس وزراء سابق بذلك، وقال «يا جماعة مصر ابرمت معاهدة سلام مع اسرائيل، وكذلك الاردن، وكذلك منظمة التحرير ظناً منها انها بذلك تخدم مصالحها، فلماذا يكون مستحيلاً التنسيق، مجرد التنسيق، مع سوريا لدرء ذلك الخطر الذي لم تشهد المنطقة مثيلاً له منذ ايام هولاكو»؟

المستحيل احياناً قد يكون اكثر واقعية من الواقع. هذا اذا اردنا الاطباق على «داعش» لا ان نراهن، وبتلك الصورة الجنونية، على توازن الرعب بينها وبين «حزب الله»!