Site icon IMLebanon

ثلاثة ألغام ورصاصة قاتلة

أمر واحد مؤكّد، وسط كل الكلام المهروق عن جلسة اليوم وجلسات ما قبل الأحد وما بعده، وعن لقاءات باريس وتمثيليات باقي العواصم… هو أننا قد ولجنا نفق الفراغ. وأمر آخر مرجح، وسط كل التخمينات والتطمينات والنيات الحسنة، هو أنه من المستحيل بالنسبة إلى الداخل في نفق، أن يحدّد طوله أو مسافته أو سرعة اجتيازه أو زمن الخروج منه، فضلاً عن استحالة معرفة ما بعد النفق وإلى أين يؤدي، إذا قُدّر للداخل فيه الخروج منه.

أكثر من ذلك، وبدءاً من اللحظة، يفترض بكل مسؤول سياسي أو متعاط في الشأن العام، وخصوصاً أصحاب القرار والزعامة من بينهم، إدراك الألغام الثلاثة المزروعة داخل نفق الفراغ. ألغام أفضل ما فيها أنها معروفة ومكشوفة. وأسوأ ما فيها أن يتعامى عنها سياسيو هذا البلد ومسؤولوه.

لغم أول، قد يكون الأقل ثقلاً وتفجيراً وتدميراً، اسمه احتمال تطيير الانتخابات النيابية مرة أخرى، والاضطرار مرة جديد إلى التمديد للمجلس النيابي، لكن هذه المرة بشكل مشوب بأكثر من عيب قانوني ودستوري، فضلاً عن عيب التمديد في حد ذاته. يبدأ صاعق هذا اللغم بالانفجار والتردّد، لحظة تطبيق القاعدة الشائعة هذه الأيام، بأنه في حالة شغور موقع رئاسة الجمهورية، لا يمكن للحكومة أن تتولى صلاحيات الرئيس كاملة، رغم النص الدستوري، وذلك لأسباب ميثاقية. ما يجعل مجلس الوزراء في حالة تصريف عرفية للأعمال، وإن كانت الحكومة مكتملة الصلاحيات الدستورية نصاً وفعلاً. عندها لا إمكان لإجراء انتخابات نيابية في مواعيدها. والمواعيد تلك ضاغطة عاجلة. ففي 20 تشرين الثاني المقبل تنتهي ولاية المجلس الممددة أصلاً. وفي غياب القدرة على إقرار قانون انتخابي جديد، تظل مفاعيل قانون 2008 سارية. ما يعني أن آخر مهلة لهذه الحكومة من أجل دعوة الهيئات الناخبة هي 20 آب المقبل. أقل من ثلاثة أشهر إذن من نفق الشغور تكون كافية للوقوع على هذا اللغم الأول. لغم أصعب ما فيه أنه قد يدفع المعنيين إلى خرق دستوري آخر. بمعنى القبول بالتئام المجلس النيابي كهيئة تشريعية، والذهاب إليه لتغطية الفراغ بفراغ آخر، من نوع إقرار قانون يمدّد ولاية النواب مرة أخرى. علماً أن هذه المعضلة الثانية لن تنتظر 20 آب. فهي مطروحة على القوى السياسية كافة بعد يومين فقط من الشغور. وذلك مع الدعوة التي وجهها رئيس المجلس النيابي لانعقاده في 27 أيار الجاري، لمتابعة موضوع سلسلة الرتب والرواتب.

أما إذا تمكنت القوى السياسية بأكثريتها من تخطي هذا القطوع، ووقفت في وجه الضغط الشعبي والنقابي والمطلبي، وطبّقت القاعدة الدستورية القائلة بأن المجلس بات هيئة ناخبة، لا قدرة رقابية ولا صلاحية تشريعية لها، عندها، ووسط مجهول التصعيد النقابي المتوقع والمشروع، سيكون على تلك القوى التوجّه بخطى ثابتة نحو اللغم الثاني: لا تشريع، إذن لا تمديد لولاية المجلس، ولا قانون انتخابات جديداً. ما سيفرض على حكومة تمام سلام تحدي إجراء الانتخابات النيابية العامة، بين 20 ايلول و20 تشرين الثاني، مع مهلة أخيرة للدعوة إليها هي كما سبق، في 20 آب. والأهم، أنه سيكون على هذه الحكومة الائتلافية الوفاقية بالذات، الذهاب بعيون مفتوحة وإرادات معلنة، نحو إجراء تلك الانتخابات وفق قانون العام 2008 لا غير. أي قانون الستين معدلاً. وهو القانون الذي تبارت كل القوى السياسية في رفضه والقطع مع أحكامه وإعلان دفنه واستحالة قبول رعايته لأي انتخابات أخرى… كل ذلك قبل عام واحد لا غير.

يبقى اللغم الثالث، أن ترفض القوى السياسية، بأكثريتها القانونية اللازمة، التمديد للمجلس، وأن ترفض إجراء الانتخابات بقانون الستين. عندها نبلغ في 20 تشرين الثاني، في حال استمرار الشغور الرئاسي، حالة الفراغ الكامل، أو حتى «الكايوس» المطلق بالمعنى «المورفي» الشهير. لا رئيس، لا مجلس نيابياً دستوري وقانوني، ولا حكومة قادرة على تعويض وظيفة أي من المؤسستين الشاغرتين. فنتجه واقعياً نحو تفكك النظام وتعطل كل آلياته الداخلية للضبط والعمل وإعادة تشغيله الذاتية. ما ينذر بالذهاب إلى «شيء تأسيسي» ما، بالمفهوم الدستوري والتكويني للأنظمة والدول. وهو ما يهدّد عندها بدفن نظام الطائف وفتح الاحتمالات على مصراعيها، وسط موازين القوى غير المطمئنة لأي من المعنيين بهذا النظام ومعادلاته الدقيقة والهشة.

ألغام ثلاثة معروفة ومكشوفة. والبعض يقول إنها بكونها كذلك، تحولت من ألغام فعلية حقيقية، إلى نوع من الحزام الناسف السياسي، الذي يستخدمه أطراف الصراع للتهويل والابتزاز ضد بعضهم. يلوّح هذا الطرف للآخر بما معناه: إما أن ترضخ لشروطي حول انتخابات الرئاسة، وإما يصير «طائفك» العزيز عليك وعلى مكتسباتك، في خبر كان. ويرد الطرف الآخر بالتهويل الكامن والمكتوم المقابل: إما أن تقبل بمقاربتي أنا لاستحقاق الرئاسة، وإما تصير «مناصفتك» أولى ضحايا سقوط «طائفي»… في مكان ما تبدو معادلة عض الأصابع المحكي عنها للأيام المقبلة، أقرب إلى صورة نزال مسلح، حيث يضع كل من طرفيه مسدسه في رأس الآخر، ويهددان بإطلاق النار معاً. علماً أن تلاصق الرأسين يكفي لرصاصة واحدة للقضاء على الاثنين معاً، كما على بلد كامل. ثلاثة ألغام ورصاصة قاتلة، لا درع يقي منها إلا رئيس رئيس، ومنتخب بأسرع وقت. قبل أن نوغل في نفق الفراغ الذي ولجناه فعلاً، رغم كل كلام المهروق »هرقة» البعض.