يشبهون بعضهم. ثلاثتهم في حالة عجز فاقع، وكل على طريقته. منهم من هو عاجز جسدياً وربما أكثر، لكنه يعتبر أن الموت وحده يجبره على تسليم كرسيه، وآخر يحكم بالاسم وطناً مقطع الأوصال ولا يقبل الاعتراف بأن سجنه الكبير شارف على الانهيار، وثالث يستجير من الرمضاء بالنار فيعادي شعبه الراغب في التغيير ويحالف دعاة الثأر التاريخي من بلاده.
انهم الثلاثي «الممانع» عبد العزيز بوتفليقة وبشار الأسد ونوري المالكي، يصوّت كل منهم للآخر ويدافع عن نظامه ومواقفه، ويملأون الشاشات والصفحات بشعارات الوطنية والقومية وبقية الإسطوانة المشروخة، فيما همهم الأساس البقاء في الحكم اياً تكن المقدمات والتبعات. يحتفلون بـ «انتصاراتهم» المتوهّمة ويجبرون الناس على الخروج الى الشوارع ابتهاجاً بهم، وإلا تصرفت الأجهزة وأبدعت.
يحكم الرئيس الجزائري من كرسيّه المدولب، نظراته زائغة وبالكاد يسمع ما يجرى من حوله. لا يقوى على الكلام إلا همساً، ولا يقوى على الوقوف حتى لأداء اليمين الدستورية. اضطر رئيس المحكمة العليا ان يشهد زوراً بأنه كفء للرئاسة. واقتصرت الجمل القليلة التي باح بها على شكر قوات الشرطة والجيش التي يحكم بواسطتها. اعتبر في كلمته ان «الدولة هي التي انتصرت». لا يفرق بين نفسه وبين الدولة، ويختصر الشعب والمؤسسات بذاته. من يحاجج حكمه كمن يتبرأ من هويّته. المرونة الوحيدة التي أظهرها كانت في قبوله بنسبة تأييد تزيد قليلاً عن 80 في المئة بعدما كانت لا تنخفض عن بضع تسعات متراصفة. يقول لنفسه إن الجزائريين لا يقوون على فراقه، وربما يعتقد أنهم سينتخبون صورته بعد وفاته. انه الرئيس المتوفى مع وقف الدفن.
أما وارث الرئاسة السورية الشاب الذي تدغدغ صور بوتفليقة خياله، فيغرق في حساب كم بقي له ليحطم الرقم القياسي الجزائري. لكنه بدأ أولاً في تحطيم بلده، ونجح. ومع انه لم يعد «يحكم» سوى اربعين في المئة من ارض سورية، فهو يتصرف وكأن لديه «وكالة مصدّقة» بتمثيل السوريين كلهم رغماً عنهم «الى الأبد». هو فعلاً «ظاهرة» و «رمز عالمي» كما وصفه حزب «البعث» المملوك لعائلته، فقد بزّ معاصريه من الديكتاتوريين العرب والأجانب في عدد ضحاياه، وبرع في ابتكار وسائل الهدم والقتل الجماعي، وكان له فضل إنشاء أول «دياسبورا» سورية، رغم ان «الظروف» لم تسمح لمشروعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي «ان يأخذ كامل مساحته» على حد تعبير «البعثيين» انفسهم. ولكم ان تتصوروا النتائج لو تغيّرت الظروف.
ويبقى المالكي، «أسد» بغداد، والدمية الإيرانية الأخرى الذي يخفي بطش يديه بلباس البريء المغلوب على أمره، و «المضطر» اضطراراً الى «التضحية» وحكم العراق «لإنقاذ وحدته»، حتى لو كان الثمن معاداة غالبية شعبه، الأكراد والسنّة جميعهم ونصف الشيعة. ديدنه الحكم وحزبه «الدعوة» مولع بالسلطة. مستعد دوماً لاسترضاء طهران ونيل «بركتها» على حساب انتماء العراق العربي.
ثلاثة من قادة «الممانعة» التي لم يعودوا يعنون سوى الممانعة في ترك الحكم، يتشابهون في الإطباق على انفاس شعوبهم، لكنهم بالتأكيد لن يبقوا طويلاً، سواء لأسباب ربانية، أو لأن الناس والتاريخ لا يرحمون الطغاة.