ماذا يفيد المسيحيون واقعياً من اعتماد التعطيل العام لمجلسي النواب والوزراء و”تبليط” الدولة عموماً فيما الصراخ على الشغور الرئاسي لا يقدم ولا يؤخر شيئا في الازمة الرئاسية؟
لعلها حقيقة موجعة للمسيحيين ان تراوح ازمة فراغ قصر بعبدا وتبقى الدولة، على هزال واقعها، تدور بانتظام لو كان الامر جارياً على هذا النحو. ولكن ثمة وقائع لا تعفي المسيحيين كما المسلمين من تحمل تبعة تعطيل المؤسستين التشريعية والتنفيذية وتداعياته على المستوى الدستوري كما المعنوي. يذهلنا فعلا ان نرى مسيحيين لا يأبهون للمنطق الدستوري الذي اقام في صلب الطائف احتمال الشغور الرئاسي “لأي علة كانت” وناط بمجلس الوزراء وكالة الصلاحيات الرئاسية. لا تبرر صدمة الفراغ، اياً تكن محقة، ان ينبري مسيحيون الى التماثل بتجارب قوى اخرى غير مسيحية عطلت وتعطل واقعيا المسار الدستوري بشتى الممارسات لان هؤلاء “فجعوا” بالفراغ الرئاسي. منطق هو اقرب الى تخلّ تدريجي خطر عن صورة المسيحيين حراس الهيكل الدستوري والنظام حتى لو كان بعض هؤلاء، المتسببين خصوصا في تعطيل النصاب الانتخابي الرئاسي، مناهضين اساسا للطائف. ولا يقتصر الامر عليهم، فثمة نزعة لدى بعض آخر الى تحويل الازمة الرئاسية “عاشوراء مارونية” كأن ذلك يقي المسيحيين ومرجعياتهم السياسية والدينية تداعيات العجز عن ابتكار صيغة خلاقة تنتشل المسيحيين مما هم فيه.
لا نبرئ حتما مراجع وقوى اسلامية من التسبب بالفراغ الرئاسي، بل ربما اضطلع بعضهم بدور خفي خبيث في الدفع الضمني والعلني نحو التلاعب بواقع مسيحيين تعدديين متنافسين بلا خطوط حمر في السباق الى الرئاسة والى مستوى عبثي رهن الرئاسة والنظام والبلاد بلعبة التحكم بالنصاب المفقود. واما والحال يكشف تباعا عقم الدوران في الحلقة المفرغة فان ذلك بات يوجب سكب المياه الباردة على الرؤوس الحامية حيال خطورة العبث بالبعد التعطيلي بما سيفتح حكما ازمة نظام ولا يبقي الامر موقوفا على ازمة شغور رئاسي. هل صار المسيحيون جاهزين لمواجهة ازمة كهذه؟ وهل هم اساسا، ولا نعمم هنا او نأخذ سائر القوى بجريرة بعضها المعروف، على جهوزية كافية لفتح ازمة نظام تطيح الطائف وسط جهنم الاصوليات المشتعلة في المنطقة وآخر حلقاتها المرعبة في العراق بعد سوريا؟ وهل بالتعطيل او بالصراخ الفارغ من اي محتوى والمفتقر الى مبادرات فعالة حاسمة في وجه الجميع تنقذ الرئاسة الهائمة في محنة الفراغ؟
لفتة اخيرة في هذا السياق لا بد منها. لن يؤرق تعطيل المؤسسات بعضا من غير المسيحيين اذا وفرت لهم هذه الفرصة السانحة لتحقيق ما يرقى الى حلم انقلابي ناجز بايدي حراس الدستور المفترضين.