لا تصل مخاوف اللبنانيين من التفجيرات الى معراب، لا لبعدها الجغرافي ولا للاجراءات الأمنية فيها، بل لرؤية فوقية مكانياً الى ما يجري في لبنان والمنطقة يحرص سمير جعجع دوماً على تعزيزها بأدلة واثباتات ملموسة. من فوق لا موجة ارهاب واسعة على الطريق ولا رئاسة جمهورية في الأفق، أقله على المدى المنظور.
يصوّر رئيس حزب “القوات اللبنانية” لمن يلتقيهم الوضع السياسي في لبنان جامداً الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً مع النائب الجنرال ميشال عون الذي تتكسر عنده مبادرات الحلول كالموج على صخر. يكشف جعجع قوله لموفد أرسله اليه عون قبل نحو ثلاثة أشهر ان كل الخيارات واردة عنده باستثناء انتخاب الجنرال رئيساً. ليقول انه كان واضحاً من البداية مع خصمه، لكنه يبرر لحليفه سعد الحريري أسلوبه في الحوار مع عون، يقول ان كتلة “المستقبل” تعلن كل ثلثاء ان مرشحها هو سمير جعجع، ثم ان الحريري أجاب عون بأن عليه الاتفاق مع جعجع وبقية مسيحيي قوى 14 آذار لكنه لا يريد أن يسمع. لو قال له لن أنتخبك لكان أطلق عون حملة في اليوم التالي تحت شعار ان السنة يريدون الهيمنة على البلد.
يشير جعجع الى شخصيات وقوى يفترض أنها حليفة لعون تطالب الحريري بتخليصها من هذه الورطة وجوابه “أنتم بلغوه” أنهم لا يريدونه رئيساً، أو متأكدون من استحالة وصوله الى الرئاسة.
خلافاً لنظرية أن العرقلة مصدرها “حزب الله”، وأن عون مجرد واجهة للحزب، لا يستبعد مرشح قوى 14 آذار أن يكون الحزب المذكور على استعداد للتفاوض من أجل التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية في حال قرر عون التخلي عن أسلوب تعطيل نصاب جلسات الانتخاب. فوضع الحزب دقيق في هذه المرحلة. فوق تورطه في معارك سوريا المفتوحة طرأت أحداث مصيرية في العراق تستدعيه للحضور والمشاركة أيضاً وان في حدود القادة الخبراء العسكريين. ليس “حزب الله” في وارد الدخول في مشكلات في لبنان وسط هذا الجو الاقليمي والانشغالات، والدليل قبوله بتشكيلة هذه الحكومة التي رفضها بعد انتصار 14 آذار في معركة الانتخابات النيابية سنة 2009. والأرجح أن يحاول الحزب اذا سنح الظرف الاتيان برئيس بمواصفات الرئيس ميشال سليمان قبل أن يختلف معه حداً أدنى، أو برئيس ينفذ برنامجه ويتولى عمل الحزب حداً أقصى.
على هذا المنوال سيظل التعطيل متسيّداً بلا حدود، والكنيسة لا يمكنها فعل شيء رغم استياء شديد من التعطيل لا ينفك البطريرك الماروني بشارة الراعي يعبّر عنه، بنمط شبه يومي في لقاءاته والعظات الدينية.
ولكن ما الذي يجعل جعجع خارج دائرة القلق على الوضع الأمني؟ في رأيه ستبقى الأمور في أسوأ الأحوال على ما هي ولا انفجارات كبيرة. الأجهزة الأمنية تكشف الانتحاريين والشبكات تباعاً، رغم وجود بعض الأسئلة تتعلق ببعض التفاصيل ثم إن أعداد هؤلاء الانتحاريين الارهابيين ليس كبيراً وبلا حدود، وهم هواة على ما بدا من أدائهم وسلوكهم وتصرفاتهم. لكن أكثر ما يحمي لبنان في هذه المرحلة هو الاجماع على ابعاد نار المنطقة عنه. الا أن الخطر يظل ماثلاً ما دام “حزب الله” يقاتل في سوريا ولم ينسحب منها.
يطرح جعجع على نفسه أسئلة عن المستقبل (زمنيا) من نوع أن الوقت يمر بسرعة، وخلال أيام وأسابيع سيكون على اللبنانيين اتخاذ قرار يتعلق بالانتخابات النيابية. آخر مهلة لتشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات هي آخر تموز وللدعوة الى الانتخابات 21 آب. يميل رئيس “القوات” الى خوض الانتخابات تحت شعار “انتخاب رئيس للجمهورية”، متأكداً أن القاعدة المؤيدة لعون انحسرت وانحصرت بنسبة مهمة يتابعها من كثب.