Site icon IMLebanon

جغرافيا الدويلة الشيعية – العلوية وراء معركة عرسال لتعويض إيران نكسة المالكي

جغرافيا الدويلة الشيعية – العلوية وراء معركة عرسال لتعويض إيران نكسة المالكي

السؤال المثير للمتابعة: هل نجا لبنان من الإعصار المذهبي الصاعد في المنطقة؟

حكمة القيادة العسكرية وغطاء الحريري ينزعان ألغام المغامرات غير المحسوبة

من المُبكر الجزم بما ستؤول إليه الأمور في عرسال في قابل الأيام والأسابيع وحتى الأشهر المقبلة. وما هو مؤكد أن هذه البلدة، بما تُشكل من موقع استراتيجي في جغرافيتها، تقع على فالق الصراع المتعدد الأوجه، وأخطرها الصراع المذهبي السني – الشيعي، والذي لا يمكن التنبؤ بالارتدادات التي قد تحدثها الانزلاقات الأمنية أو التصدّعات المجتمعية ولا حجم الهزات الذي  قد تنتج عنه، على وقع المواجهة المفتوحة مع إيران في  المنطقة، ذلك أن ما جرى في عرسال لا يمكن فصله عما يجري في العراق من مواجهة بين التنظيمات السنية والتي تتصدرها «داعش» وبين حكم نوري المالكي، ولا عمّا يجري في سوريا من مواجهة بين المعارضة المسلحة، بكل تلاوينها العلمانية والدينية، وحكم بشار الأسد على امتداد الجغرافيا السورية، ولا سيما منطقة القلمون.

فبغض النظر عن الأسباب التي آلت إلى توقيف القيادي السوري أحمد جمعة الذي بايع مؤخراً الدولة الإسلامية، والذي اعتاد الدخول إلى عرسال عبر حواجز الجيش في عرسال من دون أي إشكالات، أو الأسباب التي حالت دون اتخاذ ما يلزم من إجراءات عسكرية احترازية لـ «عمل أمني – استخباراتي» كهذا ما دام تم توصيف الموقوف على أنه أخطر الإرهابيين المطلوبين، فإن ما شهدته عرسال من هجوم للتنظيمات المسلحة السورية على مواقع ومراكز أمنية للجيش وقوى الأمن الداخلي وسيطرتها على البلدة شكّل التحدّي الأخطر الذي تواجهه البلاد، والامتحان – المأزق الذي يتعرّض له الجيش، نظراً إلى التعقيدات والحساسية التي تتحكم بمجريات الأمور على الحدود اللبنانية – السورية.

فمجريات الأحداث في معركة القلمون التي تدور رحاها في تلك البقعة الجردية الشاسعة، والتي أخذت في الأسابيع الماضية منحى تصاعدياً في المواجهات بين المعارضة والنظام السوري وميليشيا «حزب الله» كانت تشي أن «شيئاً ما» يتم تحضيره، حتى أن التسريبات من مقرّبين ومحسوبين على «حزب الله» كانت تُمهّد لمعركة حسم آتية، لدرجة أن رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز تبرّع في تحديد تاريخ المعركة التي حضّر لها مُنشد التعبئة الحزبية والشعبية لبيئة «حزب الله» علي بركات الأنشودة المطلوبة «سيطر ع عرسال»، على غرار «احسم «نصرك في يبرود» مع معركة يبرود، و«جاي دورك يا حلب» مع معركة حلب. وسرت مخاوف في الكواليس السياسية والغرف الضيّقة من أن يتم استدراج الجيش وجرّه إلى معركة القلمون من البوابة العرسالية، بحيث تفقد التنظيمات المسلحة المنتشرة في جرود عرسال الرئة التي تتنفس منها وخط الإمداد الرافد لها بكل مقومات الصمود في المعركة التي ظن «حزب الله» أنه حسمها يوم سيطر على القلمون، فإذا بها تتحوّل إلى حرب استنزاف له تحمل في طياتها مخاطر الإطاحة بما حققه من «انتصار عسكري».

وإذا كانت القيادة العسكرية استطاعت، في المعركة التي  فُرض على الجيش خوضها، أن تتعامل بحكمة ووعي للمخاطر الداخلية المحيطة بها وبالانعكاسات والارتدادات التي يمكن أن تنشأ عن «حسابات خاطئة» أو «مغامرات غير محسوبة»، فإن الغطاء السياسي الذي شكله الرئيس سعد الحريري من موقع زعامته للطائفة السنية، والدعم الذي وفرته المملكة العربية السعودية للجيش، ووقوف الحكومة ورئيسها بحزم وراء المؤسسة العسكرية، وإيلاء هيئة العلماء المسلمين «دور الوساطة» النازع لفتيل الانفجار الأكبر، والتفاف أبناء عرسال حول القوى الشرعية كلها عوامل ساهمت في خفض منسوب الخطر من توترات مذهبية، كانت ستطفو سريعاً إلى السطح. وليست ردّة الفعل الشعبية السنية على منع أهالي اللبوة بطيفها الشيعي لقافلة المساعدات الإنسانية من الوصول إلى عرسال سوى نموذج لما سيفضي إليه الحال إذا اتخذت الأمور أبعاداً مذهبية أكثر حدّة.

على أن السؤال الذي يعتري قيادات بارزة في قوى الرابع عشر من آذار يكمن في  مدى قدرة الحريري - بما يمثل من حاضنة وخط للاعتدال السني ومؤمن بمشروع الدولة - على الاستمرار في نزع فتيل «الاشتباك المذهبي» وصدّ الإعصار المتشدّد الصاعد لقوى تقف على يمينه، في وقت تستعرّ المواجهة الإقليمية في بُعدها المذهبي وتنمو بفعل تلك المواجهة وانخراط «حزب الله» عسكرياً  فيها على مستوى الإقليم وتنامي نفوذ سيطرته الداخلية، وتوظيف مقدرات الدولة  لمصلحة مشروعه مستظلاً يافطة «الحرب على الإرهاب» العابر عبر الحدود إلى الداخل فيما يمارس هو إرهاباً لا يقل شراسة  خارج الحدود، ويقدّم مشروعه الإقليمي على مصلحة البلد.

ولعل مكمن القلق المتنامي هو ذلك الذي تُعبّر عنه شخصيات شيعية مناهضة لـ «حزب الله», إذ تعتبر أن الضربة التي تلقتها إيران في العراق، بفعل انهيار سلطة المالكي نتيجة خروج المحافظات السنية عن سيطرته ودخول البلاد في مأزق سياسي، بات يتطلب منها التراجع، الأمر الذي يُشكّل خسارة لبعض من نفوذها وارتداد ذلك على موقعها في المعادلة السورية، وهو سيدفع بها إلى سياسة التشدّد في أماكن قوتها للحد من خسائرها. وهذا ما قد يعني الدفع بـ «حزب الله» أكثر في معركة إنجاز معالم الدويلة العلوية – الشيعية التي تشكل عرسال العقدة الجغرافية لاستكمالها، بحيث يتم ربط الساحل السوري ببرّ حمص الذي يمتد إلى بعلبك، الأمر الذي لا يشكل تحدياً للجيش فحسب، بل تهديد فعليّ لوحدة البلد ومؤسساته!