جلسة الصلاحيات: مجلس الوزراء يخرج متماسكاً وآلية القرارات الثلاثاء
سلام يضبط إيقاع المناقشات .. و«التنسيق» تعلن الإضراب العام ومقاطعة الإمتحانات
لم تكن الساعات الاربع كافية التي ناقش خلالها مجلس الوزراء آلية ممارسات صلاحيات رئيس الجمهورية للتوصل الى اتفاق، الامر الذي اقتضى عقد جلسة ثانية الثلاثاء المقبل للانتهاء من بت هذه المسألة التي تقدمت على ما عداها، وتركت وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب كمن يصرخ في واد، وكأن صيحات أركان هيئة التنسيق النقابية لم تكن كافية بدورها لاقناع الفريق الوزاري الذي اعتبر الاولوية للنقاش السياسي وليس لجدول الاعمال، بأن مصالح الطلاب والتلامذة تستحق اهتماماً وعناية، فضلاً عن مطالب اساتذة الجامعة الذين علقوا عمليات الامتحانات والتصحيح في ذات الوقت.
واذا صدقت النيات، فإن مداخلات الوزراء شكلت مساهمة في مقاربة الموضوع على قاعدة التوافق اولاً، ما دام ثمة اجماعاً على ان لا احد يرغب لا في حصول الفراغ الرئاسي ولا في اطالة امده، ولا في تعطيل المؤسسات، ولا العبث بالميثاق، وفتحت الباب امام ما يشبه حلقة وطنية للتفاهم على اسس دستورية لا تأخذ البلاد الى فراغ عام، بل تؤسس للعودة الى مجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفقاً لوزير بارز شارك في مناقشات جلسة امس.
ووصف الوزير اياه المناقشات بأنها كانت ممتازة واتسمت بالمسؤولية الوطنية، وانقسمت الى قسمين:
الاول يتعلق بآلية اتخاذ القرارات وهي التي ينص عليها الدستور، سواء بالثلثين او بالنصف زائداً واحداً، ووفقاً لمنطوق الفقرة 5 من المادة 65 التي تتحدث عن ان النصاب القانوني لانعقاد الجلسة بأكثرية ثلثي اعضاء المجلس، كما جاء في مرسوم تشكيل الحكومة، وان القرارات تتخذ توافقياً، واذا تعذر ذلك فبالتصويت، وتتخذ القرارات بأكثرية الحضور.
وحصرت الفقرة نفسها المواضيع التي تحتاج الى ثلثي عدد الاعضاء بـ14 موضوعاً ابرزها: تعيين موظفي الفئة الاولى وقانون الانتخاب وقانون الجنسية وقوانين الاحوال الشخصية والموازنة العامة.
والثاني يتعلق بالصلاحيات التي تنص عليها المادة 56 من الدستور، سواء لجهة اصدار القوانين ونشرها او اصدار المراسيم ونشرها ايضاً.
وثمة اشكاليتان تتعلقان بتطبيق هذه المادة، ذلك لان الحكومة هيئة معنوية، اما رئيس الجمهورية وان كانت له صلاحيات سلطة الا انه فرد، فهو مثلاً له حق الطلب الى مجلس الوزراء اعادة النظر في اي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال 15 يوماً من تاريخ ايداعها رئاسة الجمهورية، ومثلاً ماذا يحصل لو ان المجلس انقسم حول قرار من القرارات ورفعه الى رئيس الجمهورية الذي له الحق برده او نشره، وهذه الاشكالية لا تنحصر فقط بالمراسيم بل بالقوانين ايضاً.
من هنا، امتد الجدل داخل الجلسة، ورأى البعض ان اصدار المراسيم يكون بالنصف زائداً واحداً، اي اذا وقع عليها 13 وزيراً والبعض الآخر طالب بالثلثين اي 16 وزيراً، فيما ذهب البعض الثالث الى المطالبة بأن تكون المراسيم بالاجماع، اي ان كل الوزراء يوقعون على اي مرسوم ليصبح نافذاً وينشر في الجريدة الرسمية.
إزاء هذه الآراء المتباعدة، أكّد الرئيس تمام سلام الحاجة الملحة لانتخاب رئيس باعتباره رمز وحدة الدولة، ورئيس كل المؤسسات، والمؤتمن على الدستور. واستقر الرأي على أن يعود الوزراء إلى مرجعياتهم السياسية لاجراء مشاورات ذات بعد دستوري وقانوني مع خبراء، والعودة إلى مجلس الوزراء للتفاهم حول النقاط المختلف عليها.
ومن إنجازات الجلسة التفاهم على آلية وضع جدول الأعمال الذي تحضره الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء وتقتصر دعوة الحكومة للاجتماع على رئيس مجلس الوزراء عملاً بالدستور أيضاً، وقد حسم هذا الأمر على هذا النحو، إضافة إلى إرسال مشروع بجدول الأعمال قبل 72 ساعة إلى الوزراء لوضع ملاحظاتهم عليه.
الحاضنة
وبحسب معلومات «اللواء»، فانه بالرغم من التفاهم على قاعدة التوافق، بحسب تعبير وزير الإعلام، فان عمليات الشد والجذب لم تخل من النقاشات، لا سيما عن طرح مسألة من يضع جدول الاعمال، والتي حسمها الرئيس سلام بقوله مخاطباً الوزراء: «أنا من يضع جدول الاعمال ولا شريك لي في هذا القرار، واذا كنت ارغب بالتشاور معكم فهذا من منطلق انني اتصرف بشكل ديمقراطي وليس لأنني ديكتاتور»، فبادره الوزراء الذين كانوا اقترحوا الحوار معه لوضع جدول الأعمال، قائلين: «نحن لا نجادلك على صلاحياتك».
وعندما بلغ النقاش نقطة حسّاسة، توجه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى زملائه الوزراء قائلاً: «ان تعطيل مجلس النواب مثل تعطيل الحاضنة التي تلد رئيس الجمهورية، اما تعطيل الحكومة فهو أيضاً مثل تعطيل الحاضنة التي يفترض أن تلد مجلس النواب»، في إشارة الى الانتخابات النيابية التي يُفترض أن تشرف عليها الحكومة السلامية.
لكن درباس لاحظ بالرغم من ذلك انه لم يلمس لدى أي طرف نزوعاً لتعطيل العمل الحكومي.
وكان هذا الأمر من ثمار التوافق التي اتسمت بها الجلسة، خلافاً لأجواء التشنج التي سادت قبيل انعقادها، مع إصرار وزراء «التيار الوطني الحر» على التفاهم على آلية عمل الحكومة في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية، وكذلك على المشاركة في وضع جدول الأعمال باعتبار انهم الحزب المسيحي الأكثر تمثيلاً، بحسب تعبير الوزير جبران باسيل، قبيل دخوله الجلسة، والذي لم يعجب الوزير الجنبلاطي وائل أبو فاعور، الذي اعتبر انه يجب عدم اختراع أسباب لتعطيل مجلس الوزراء ومجلس النواب، وقال: من هو حريص على رئاسة الجمهورية فلينزل الى مجلس النواب لانتخاب رئيس.
وفي حين تمسك الوزير الكتائبي آلان حكيم بشرطي الاتفاق على جدول الأعمال وتوقيع الـ24 وزيراً على كل قرار لاستمرار المشاركة في الحكومة، كان لافتاً أجواء التوافق التي رافقت كلام الوزيرين «المستقبل» اللواء اشرف ريفي، و«حزب الله» محمد فنيش اللذين شددا على أهمية التوافق والتضامن «مثلما كنا ايام الرئيس ميشال سليمان» على حدّ تعبير ريفي.
ما قبل الجلسة ليس ما بعدها
وبدا أن ما جرى من كلام قبل الجلسة لم ينعكس داخلها، وكان الرئيس تمام سلام امتص هذه الحالة، حين أكّد في مستهل الجلسة أن «الحكومة هي حكومة المصلحة الوطنية، وهمها الأساس في المرحلة المقبلة هو التركيز على تهيئة الأجواء لاجراء الانتخابات الرئاسية، وان لم تتم ضمن المهلة الدستورية فيجب ان تتم بأسرع وقت ممكن»، مشدداً على ان مجلس الوزراء يعمل تطبيقاً للمادة 62 من الدستور، وإن همنا أن يبقى مجلس الوزراء مترابطاً ومتماسكاً ويعمل ضمن اجواء إيجابية.
(التفاصيل ص2)
وتبعاً لهذا الكلام الذي ترك أصداء إيجابية، أشار غالبية الوزراء إلى أجواء الهدوء الذي ساد الجلسة، إلى حدّ دفع الوزير ريفي إلى التأكيد لـ «اللواء» بأن معظم الأفكار التي طرحت كانت غنية وايجابية وبناءة، وانها هدفت إلى الاجتهاد حول كيفية التعاطي مع المرحلة الجديدة وإيجاد الآلية الاجرائية لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية التي أوكلت لمجلس الوزراء، ملاحظاً انه كان لدى غالبية الوزراء ميل نحو التوافق، وانهم تبعاً لذلك تصرفوا من منطلق مسؤولياتهم الوطنية كرجال دولة.
وبدوره لفت وزير الإعلام رمزي جريج لـ «اللواء» إلى جو التفاهم الذي ساد الجلسة والنقاش الصريح داخلها حول الصلاحيات بعد الشغور الرئاسي، موضحاً رداً على سؤال، بأن الحكومة نجحت في تأكيد تماسكها.
الى ذلك، تردد أن بعض الوزراء أثار موضوع تجارب الحكومات السابقة في موضوع ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا سيما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تولّت صلاحيات رئيس الجمهورية السابق إميل لحود على مدي 190 يوماً واستعملت صلاحياتها كاملة، وإمكانية الاقتداء بها، خصوصاً وأن الوزراء كانوا يوقعون كل القرارات، بالرغم من أنها لم تكن مكتملة، نظراً لاستقالة الوزراء الشيعة منها.
وفهم من مصادر وزارية أن الرئيس سلام كان حريصاً على طمأنة الوزراء الى أن المهم هو قيام الحكومة بواجباتها وحصول تعاون بين مختلف مكوناتها من أجل تسيير شؤون البلاد ومواصلة المساعي الهادفة الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وأكدت المصادر أنه بسبب استغراق الوزراء في الجدل حول ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، لم يتسن لمجلس الوزراء مناقشة جدول أعماله المؤلف من 29 بنداً، لكن بعض الوزراء حاولوا إثارة قضايا أخرى مثل الوزير سجعان قزي الذي طالب بمعرفة ما حصل أثناء الانتخابات التي أجرتها السفارة السورية في اليرزة، وعدم تكرار ما حصل، لا سيما عند إعلان فوز الرئيس بشار الأسد بهذه الانتخابات، ووزير التربية الذي حاول أيضاً طرح موضوع الإضراب الذي أعلنته هيئة التنسيق النقابية ومقاطعة الامتحانات الرسمية احتجاجاً على عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
هيئة التنسيق
وكانت هيئة التنسيق قد حسمت أمس موقفها، وأعلنت عن مقاطعة الامتحانات الرسمية، والإضراب المفتوح في الوزارات والدوائر العامة بدءاً من 7 حزيران المقبل، ولم يثنها التهويل بالإفادات المدرسية التي يمرّرها المسؤولون في رسائل غير مباشرة، وردّوا عليها بصراحة بأنّ الإفادات ستعني الاتجاه لإغلاق المدارس، وإزاء تفاقم الأزمة، فإنّ اقتراحات يمكن أنْ تؤسّس لحل ليس على مستوى المجلس النيابي الذي يقاطع النوّاب جلساته بل عبر مجلس الوزراء بإقرار سلفة للرواتب على غرار غلاء المعيشة بنسبة 40 أو 50% ، ما يسحب فتيل الانفجار الذي قد يذهب ضحيته الطلاب ومصالح المواطنين، وسعى وزير التربية في هذا الإطار الى إيجاد حل يجنّب الوصول الى أزمة، فزار الرئيس سلام صباحاً مناشداً المسؤولين حل الموضوع قبل الوصول الى 7 حزيران موعد بدء الامتحانات الرسمية.
وأعلنت الهيئة في مؤتمر صحفي عقدته أمس، عن سلسلة خطوات تصعيدية تسبق الإضراب المفتوح ومقاطعة الامتحانات، وجديدها اعتصام مفتوح من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً يوم الجمعة المقبل، ودعت المعلّمين والأساتذة والموظّفين إلى عدم تسلّم دعوات المراقبة، وإلى الاعتصام الإثنين المقبل أمام المراكز التربوية.
وعلمت «اللــواء» على صعيد السلسلة ان الاتصالات متواصلة وان ثمة قراراً كبيراً عند التكتل لإقرارها في الجلسة النيابية المقبلة، وبلغت أرقام السلسلة حتى يوم أمس ألفي مليار ليرة لبنانية، وهذا الرقم يرتفع عن الرقم الذي أحالته السلسلة بموجبها الحكومة السابقة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.