كما أُعدّ سلفا سيناريو جلسة 23 نيسان، ستكون هذه حال جلسة 30 نيسان. تحديد النتائج سلفاً، بالاستناد الى المعطيات اياها. لا نصاب للدورة الثانية من الاقتراع الاربعاء، وتمديد مواعيد جلسات اخرى حتى يتم التوافق على الرئيس، وقد سلّم فريقا التنافس باخفاقهما تماماً
من المرجح ان انتخابات الرئاسة ستذهب في سبات حتى منتصف الشهر المقبل في احسن الاحوال، ريثما تتضح الملامح الجدية والفعلية التي تنتهي بانتخاب الرئيس الجديد. حتى ذلك الوقت، يُعيّن رئيس المجلس نبيه بري اكثر من موعد الى ان يكتمل النصاب القانوني، وتثابر قوى 14 آذار على تأكيد تمسكها بمرشحها الوحيد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ويستمر كذلك الغموض الذي يحوط بالترشح العلني للرئيس ميشال عون.
في الغالب ان استمرار جعجع مرشحاً وحيداً لفريقه الى ابعد من جلسة الاربعاء المقبل ــــ من غير التئامها بالتأكيد ــــ يطيح نهائياً حظوظ المرشحين الآخرين في قوى 14 آذار. منذ حصوله على الاصوات الـ48، يحسبها جعجع مكسباً سياسياً كبيراً قابلاً للتطوير وجعلها حقيقة واقعة يصعب تفسيرها بمنطق معاكس، ومن ثم توقع موافقته على التخلي عن ترشحه. لن يسهل ايضا على حليفه الرئيسي تيار المستقبل ارغامه على التراجع، بعدما احتاج الى اكثر من اسبوعين كي يبتلع ترشحه، ويقنع حلفاءه في قوى 14 آذار ــــ واخصّهم المرشحين ــــ بتأييده. ليس المشكلة اقل وطأة عند عون بطلبه تأييد الفريق الذي لم يسعه القبول بمرشح حليف له الا على مضض، اي تيار المستقبل.
بيد ان سبات الاستحقاق لوقت طويل ربما، من غير انتخاب الرئيس، يرسل بضعة اشارات بينها اثنتان الى جهتين معنيتين من خارج اطراف التنافس:
أولاهما، ان مرور الوقت والتخوف من احتمال وقوع فراغ في الرئاسة يحمل السفراء الغربيين البارزين، البطيئي التحرّش بالمسؤولين الرسميين حيالها، على ابراز مزيد من الاهتمام. كانت لبعضهم ملاحظات ايجابية على اثر تعيين رئيس المجلس الجلسة الاولى للانتخاب اولا، ثم انعقاد المجلس. احد اعضاء لجنة الصداقة الفرنسية ــــ اللبنانية في الجمعية الوطنية الفرنسية الذي حضر جلسة 23 نيسان على هامش زيارة الوفد بيروت، خرج بانطباعين متناقضين ادلى بهما لنائب لبناني: اعجابه بمسار الدورة الاولى من الاقتراع والحضور الكثيف للنواب والتزام آلية التصويت، واستهواله في الوقت نفسه انهيار الجلسة في لحظات قليلة بفقدان النصاب الذي عطّل انتخاب الرئيس. لم يسع النائب الفرنسي القول لنظيره اللبناني سوى انه يحار في تفسير ما حدث: «كانت الجلسة سائرة بامتياز. فجأة تبخر كل شيء. هوى كل شيء وانتهت الجلسة. ماذا حدث وكيف حدث؟».
كان سفراء غربيون أطروا امام مسؤولين رسميين على التئام الجلسة الاولى ومباشرة الدورة الاولى من الاقتراع. بيد ان ما شاع عن استبعاد التوافق على الرئيس المقبل في وقت قريب وتعليق الانتخاب الى أمد غير معروف بعث القلق في قلوبهم. لاحظ بعضهم ان من شأن الجلسة الاولى ايجاد آلية تنسيق بين الافرقاء المعنيين تحملهم على الاقبال على الانتخابات، على انها غير كافية بالضرورة لانجازها.
قال بعض هؤلاء ان اهتمام الخارج ياستعجال تأليف حكومة الرئيس تمام سلام لم يكن هدفا في ذاته، بل عُدَّ «بوليصة تأمين» على انتخابات الرئاسة خشية تعثّر اجرائها. الا ان انتخاب الرئيس يظل هدفاً ملحاً وضرورياً. أورد ملاحظة مفادها ان الاستحقاق الحالي لا يحتاج الى تدخل مباشر من الخارج يشبه ما رافق اتفاق الدوحة وافضى الى فرض انتخاب الرئيس على الاطراف اللبنانيين جميعا، بل يتطلب تواصلا محدودا بين الدول المعنية المؤثرة في هذا البلد، وان تتبادل بضع رسائل تؤكد التمسك باستقراره وابعاده عن تطورات الحرب السورية واستمرار مؤسساته دونما الحاجة الى تفويض دولة فرض الانتخاب. حدث ذلك في الشهر الحادي عشر من تعثر تأليف حكومة سلام الى ان ابصرت النور فجأة بعد اتصالات لم تكن خافية، الا انها لم تحظ بضجيج اعلامي. في مشاورات تولاها سفراء وموظفون كبار تردد انها غير منسقة، تحرك الاميركيون لدى السعوديين، والفرنسيون لدى الايرانيين، فذللت فوراً العقبات في طريق التأليف وتخلّى الاطراف اللبنانيون عن تصلبهم. في الغالب سيحتاج الاستحقاق الرئاسي الى جهود مماثلة.
ثانيتهما، ان الدور المقبل لبكركي مرشح لأن يفقد تأثيره المباشر على نحو ما كان عليه في الشهرين المنصرمين، والاجتماعات التي عقدها ممثلو الاحزاب المسيحية الاربعة للتفاهم على آلية مقاربتهم الاستحقاق قبل الوصول الى جلسات التئام مجلس النواب. في ما مضى قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي انه اولى جمع الزعماء الموارنة وممثليهم اهتماماً من اجل ان لا يترك مصير الانتخابات بين ايديهم وحدهم كي لا يهدرونه. قال: أخشى انهم سيطيّرونه بسبب تنافسهم.
بانقضاء الدورة الاولى والحصيلة التي افضت اليها، عاد الاستحقاق الى ايدي هؤلاء ما يوصد الباب امام احتمال معاودة ممثلي الاقطاب الاربعة اجتماعاتهم والاتفاق على الآلية المتعذرة تلك. فتحت جلسة 23 نيسان الاشتباك المباشر بين الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وقد اضحيا وجها لوجه في الاستحقاق من غير ان يتنافسا بالضرورة. لم تكن الاوراق البيض زائدة الاوراق الملغاة بعددها 59 صوتا الا اقتراعا مضمرا لمرشح غير معلن هو رئيس تكتل التغيير والاصلاح، في مقابل الاصوات الـ48 لجعجع. كلاهما تحت خط الاكثرية المطلقة، وقد ابتعدا نهائيا عن كل ما دوّنته محاضر اجتماعات الاقطاب ثم ممثليهم عن سبل الاقبال على الاستحقاق.
أخرج الرئيس امين الجميل والنائب سليمان فرنجيه نفسيهما من الترشح، وباتت المواجهة بين عون وجعجع تتجاوز تنافس زعيمين مارونيين الى خوض فريقيهما، قوى 8 و14 آذار ـــ وبتحديد ادق الطرفين الشيعي والسني ـــ الانتخابات. وبحسب ما نقل قبلا عن البطريرك، فان حظ اي من الاقطاب الاربعة لا يدور في فلك التوافق السنّي ـــ الشيعي ما يحول حتما دون انتخاب اي منهم، وكذلك عون وجعجع.
والواقع ان العبارة التي أوردها الراعي بعد زيارته رئيس المجلس الخميس، خير دلالة على نظرة جديدة ومختلفة لبكركي حيال الاستحقاق: الرئيس المقبول من الأطراف جميعاً. عبارة نادى بها البطريرك الا انها تحتمل تفسيرين متناقضين: أحدهما أن يكون أي من عون وجعجع مرشحا مقبولا من قوى 8 و14 آذار على السواء فيقترعان له رئيسا توافقيا، والآخر المجيء برئيس من خارج الاقطاب الاربعة.