لطالما الصقت بالنائب وليد جنبلاط صفة «المتقلب» و«الزئبقي» وغيرها من الاوصاف، الا ان واقع الحال اثبت لدى الخصوم والحلفاء ان الزئبقية التي يتمتع بها النائب جنبلاط اسهمت في بعض الاحيان في جعل دوره كالاطفائي، لا سيما وان لبنان وصل في العديد من المحطات الى منزلقات خطيرة واذا باليد الجنبلاطية تفلح في تجنيب لبنان مخاطر تمدد حرائق الهشيم العربي الى ربوعه حسب مصادر متابعة لتقلبات «البيك».
واشارت المصادر ان ما حصل في عرسال مؤخراً لم يكن خفياً على الزعيم الاشتراكي الذي استشعر هذا الخطر من خلال قراءاته السياسية وعلاقاته التي نسجها مع الخصوم والحلفاء، فاذا به يدير محركاته ويقود عربته المثقلة بالهواجس باتجاه حارة حريك حيث التقى امين عام «حزب الله» بعد قطيعة دامت 3 سنوات، واذ ببوادر اللقاء تثمر بتبرئة الحزب من تهمة استدراج الثورة السورية وارهابييها الى لبنان من قلب الشويفات التي كانت شهدت في 7 ايار اعنف اشتباك بين الحزب والاشتراكيين.
البارحة، تضيف هذه المصادر، وجه «ابو تيمور» بوصلته باتجاه الجنرال ميشال عون عدوه الماروني اللدود والذي وصفه قبل ان تطأ قدم الاخير ارض مطار بيروت بـ«التسونامي»، ولم يقتصر هذا الامر عند حدود التسمية، فقد دارت بين الرجلين حرب كانت رحاها «الجبل الشوفي» اذ ان الجنرال قال للنائب جنبلاط «انه غفر له المجازر وسامحه على الاجراس ولكن لن يسمح له بأخذ حرية الذين ما زالوا على قيد الحياة عبر رفض النسبية وتوجه اليه بالقول «روح بلط البحر».
يبدو ان الرجلين تضيف المصادر ايقنا ان الحوار لا بد منه في هذه الفترة الحرجة، التي تتطلب اقصى درجات التعاون في مواجهة المخطط العبثي الذي يبدو انه اطاح بحدود الدول وباقلياتها ولربما الوقوف خلف متاريس المواقف التي قد تطيح بالجمهورية.
مصادر مقربة من جنبلاط اكدت ان هناك توجهاً الى عدم التحدث عن مضمون اللقاء بينه وبين عون، ولكن ما رشح عنه يبدو ايجابياً، على عكس ما اوحى البعض، وما كان مطلوب منه ان يحقق نتائج مباشرة، على غير ما يفسر البعض ان جنبلاط ذهب الى الرابية وفي جعبته مطلب يريد تحقيقه، بل ان الامر كان من وجهة نظهره ضرورة فكفكة التعقيدات، وزيادة التواصل بين القوى، لما يواجه لبنان من تحديات ليست عادية، واشارت المصادر الى ان اللقاء كان غير عادي، وقد جاء لقاء عون ـ جنبلاط في سياق توجه جديد لجنبلاط يحاول من خلاله المساهمة في تعزيز اجواء التعاون الوطني، وازالة بعض الالغام من طريق الاستحقاق الرئاسي.
من الواضح، تضيف المصادر، ان ليس هناك من طرف سعى لحصول هذا اللقاء، لان جنبلاط كان يحاول القيام بمبادرة، على الرغم من وجود قناة تواصل واصدقاء مشتركين مع الجنرال، الا ان «البيك» اتخذ قراراً أن يقوم بفكفكة التعقيدات، فاتخذ القرار وطلب موعداً، والجنرال تجاوب مع هذا الامر، وبالطبع لا يمكن انكار او اخفاء الاشارة التي اراد جنبلاط ارسالها وهي انه لا يوجد اي محاذير شخصية او عداء شخصي على دور الجنرال عون الحالي او المستقبلي، وموضوع التباين حول ملف رئيس الجمهورية لا يتعلق بشخص الجنرال عون الذي يكن له الجنرال الاحترام، وهو يعرف تماماً مكانة الجنرال عون الوطنية وعند المسيحيين بشكل خاص.
ولفتت المصادر الى ان قرار اللقاء اتخذه جنبلاط منذ الاسبوع الماضي، بأن يقوم بمجموعة من الخطوات تساهم بتغيير الاجواء المشحونة في البلد، لمواجهة التحديات سواء كانت تتعلق بالتهديدات الارهابية او بمواجهة الاستحقاقات الداخلية الداهمة. واكدت المصادر ان اللقاءات التي عقدها جنبلاط مع امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون لا يعني انه يحاول صوغ مسافة اكبر بينه وبين قوى 14 آذار، ولم تكن على حسابه بل بالعكس فهو اتخذ مجموعة خطوات وتحديداً تجاه الرئيس سعد الحريري، منها ما هو معلن ومنها ما هو غير معلن .
وعن امكانية رؤية جنبلاط في معراب، اكدت المصادر ان كل شيء يساهم بتعزيز الوحدة الوطنية ومواجهة الظروف الصعبة المقبلة على لبنان واردة في اجندة جنبلاط، على الرغم من انه لا يوجد سجل حافل من العلاقات الشخصية بين الاخير ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ولكن جنبلاط ليس لديه حظر على اي عمل او نشاط سياسي قد يساهم بالوصول الى نتائج ايجابية لمواجهة التحديات، او في ما يتعلق بالملفات السياسية الحساسة المطروحة.
واشارت المصادر الى ان هناك اتصالات غير معلنة بين الحريري وجنبلاط كما كان هناك تمن من الاخير على رئيس «تيار المستقبل» ان تكون هذه اللحظة التاريخية محطة لان يعود الرئيس سعد الحريري الى لبنان وتشكل عودته جواباً على كل المحاولين الاصطياد في الماء العكر او من يحاول تخريب الساحة الاسلامية بشكل خاص وعلى وجه التحديد في مناطق تواجد الطائفة السنية.
وهنا يبدو وبحسب المصادر ان التحرك الجنبلاطي لقي آذاناً صاغية لدى الرئيس سعد الحريري الذي يدرك خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان عامة والسنة خصوصاً مع انغماس بعض اهل طائفته في البحر التكفيري فقرر ان يعاين بنفسه ارض الواقع، التي باتت تهدد تيار الاعتدال الذي يقوده.