Site icon IMLebanon

جنبلاط.. وسياسة الأبواب المشرّعة

بكثير من الدقة والموضوعية، تقارب شخصية سياسية من خارج اصطفافَيْ «8 و14 آذار»، المسألة اللبنانية، في شقّها الرئاسي تحديداً، ضمن بانوراما المنطقة الملتهبة، لتخلص إلى التأكيد أنّه إذا وجدت الإرادة اللبنانية لإنقاذ الاستحقاق «الذهبي».. بَطُل الفراغ.

طبعاً، لا تبالغ هذه الشخصية في تقديراتها حين تلقي المسؤولية على كاهل أهل البيت، بل لأنها تدرك تماماً أنّه إذا تركت السفينة للربان الإقليمي، فستطول رحلتها كثيراً.

بنظرها، لا يمكن عزل لبنان عما يحصل من حوله. لا بل تستدعي الظروف، التي حوّلت الرقعة الإقليمية إلى بركان مشتعل يرمي حممه يمنة ويسرة، العودة إلى الداخل اللبناني بحثاً عن مخارج تساعد على التصدي للمدّ الإرهابي الآتي من خلف الحدود، بمعزل عن الأسباب والحيثيات التي شرّعت الحدود اللبنانية أمام الغرباء.

تتوقف الشخصية ذاتها مطولاً أمام الحدث النوعي الحاصل في العلاقات السعودية – الإيرانية، لتؤكد أنّ هذا الحوار المستجد هو نتاج حتميّ للتطورات الانقلابية التي شهدتها المنطقة بتوقيع «داعشي»، ولتحذر من أنّ الرهان على هذا التقارب لضرب مواعيد قريبة من شأنها إبعاد الشغور عن الكرسي المخملي في بعبدا، فيه كثير من المبالغة.

وتشير إلى أنّ أولويات الرياض وطهران متشعبة، حيث تطول اللائحة وتتفرع، بينما يبدو أنّ البند اللبناني غير مرشح للقفز إلى رأس القائمة المشتركة، نظراً لتراكم الملفات الخلافية ولأهميتها في جدول أعمال العاصمتين.

تعتقد أنّ الخطوة الإيرانية في سحب الغطاء عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي هي واحدة من قطب سجادة الموزاييك التي تحوكها طهران بنفَس طويل، ولا تعني أبداً أنّ الجمهورية الإسلامية أصيبت بانتكاسة مستعصية ستدفعها إلى التراجع في نفوذها أو في استراتيجيتها، ولا سيما أنّ خلفه، حيدر العبادي لا يعدّ خصماً بالنسبة لإيران. ولهذا لا داعي لرسم سيناريوهات دراماتيكية لا تمتّ للواقع بصلة.

ومن يعتقد أنّ سيطرة «داعش» على أجزاء كبيرة من المساحة العراقية، وتحديداً على الموصل، قطعت شرايين الإمدادات بين طهران ودمشق، يخطئ جداً في قراءته، كما ترى الشخصية ذاتها، ذلك لأنّ الإيرانيين تمكنوا من التعويض نسبياً عن هذا الحاجز، من خلال غرفة العمليات الأمنية في أنشئت في أربيل وتشارك فيها طهران، وسمحت لها بأن تفتح بعض «الممرات الآمنة».

«إعادة الانتشار» الإيرانية في بغداد، حصلت بالتزامن مع ليونة مفاجئة سلكتها الجمهورية الإسلامية في ملف مفاعل «آراك» الذي أعلنت أنها بدأت إعادة تصميم قلبه، في محاولة لتبديد مخاوف الغرب من إمكان أن ينتج المفاعل بلوتونيوم كافياً لصنع قنبلة ذرية.

يعني ذلك كله، أنّ طهران تركز اهتماماتها على هدف أساسي وهو رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ومن بعدها تأتي بقية الملفات العالقة مع من حولها، التي تحسبها طهران على أنّها أوراق في يدها على طاولة التفاوض مع الغرب. في حين أنّ للرياض هواجس كثيرة تشغل بالها في الحراك الحاصل في المنطقة، وتتفوق أهمية على هوية خلف ميشال سليمان. بالتالي فإنّ مشوار الكلام بين العاصمتين، طويل جداً..

ولهذا تعتقد هذه الشخصية أنّه لا بدّ للبنانيين من أن يبتكروا بأنفسهم طوق نجاتهم من زنّار الدم والنار الذي يلفّ عنق الخارطة العربية، مؤكدة أنّه لا يمكن للرياض وطهران أن تقفا بوجه أي تسوية تُصنع في لبنان على أيدي أبنائه، على عكس ما يروج له كثر، جازمة بأنّ الإيرانيين كما السعوديون لن يمانعوا حصول اتفاق لبناني ـ لبناني يحفظ مواقع حلفائهم. وهؤلاء أدرى بشعابهم..

هكذا يحاول وليد جنبلاط أن يخترق الجمود الحاصل من خلال الدق على كل المقار ومواقع النفوذ، حتى لو لم يكن في جيبه مبادرة محددة، بكل ما للكلمة من معنى. إذ إنّ الرجل مقتنع بأنّه لا بدّ من المحاولة وفتح أبواب لا تزال حتى اللحظة موصدة، لا سيما بين الفريقين السني والشيعي، من خلال الرئيس نبيه بري والشيخ سعد الحريري.

وتشير الشخصية إلى أنّ الزعيم الدرزي نجح في دفع زعيم «المستقبل» للجلوس إلى طاولة رئيس مجلس النواب، سواء من خلال اللقاءات المشتركة مع «التقدميين»، أو بالمباشر حين التقاه في عين التينة خلال زيارته القصيرة لبيروت.

ومن الواضح أنّ هذا الخط الساخن بين عين التينة وبيت الوسط ساهم في فكفكة الكثير من الألغام، لا سيما في درب الحكومة، ومن المرجح أن يساعد على تنظيف الطريق أمام مجلس النواب. باختصار، لقد أعاد هذه العلاقة الثنائية إلى السكة السليمة، ما قد يمهد لحوار غير مباشر بين الضاحية الجنوبية وبيت الوسط. وهنا الجوهر.

وتلفت إلى أنّ هذه الجلسات، حتى لو لم تثمر في القريب العاجل تسوية رئاسية، إلا انّها تساعد على تهدئة المناخ الداخلي، وتهيئته لتسوية ما، لا بدّ منها، مهما كابر البعض ورفع السقوف.