Site icon IMLebanon

جنبلاط ونصرالله و«داعش»

لا يعكس الجمودُ الذي يسود الساحةَ السياسية اللبنانية حقيقة الحركة الناشطة الدائرة في الكواليس والمواقع السياسية على اختلافها. ربما لأنّ الملفات المطروحة حسّاسة وشائكة جداً ما يدفع بالجميع الى حَجب النقاش الدائر حيالها عن التداول الإعلامي.

يأتي الإعلان عن الزيارة الأولى منذ نحو الأعوام الثلاثة لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله تأكيداً لذلك.

صحيحٌ أنّ البيان الصادر عن الطرفين حصَر اللقاء بالحرب الدائرة في غزّة وضرورة الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلّا أنّ الأوساط الديبلوماسية تُرجّح أن يكون الرجلان قد تطرّقا الى مواضيع أبعد من هذين الملفين، لا بل أن تكون تطوّرات العراق وسوريا هي السبب الرئيس لحصول اللقاء، إضافة الى الحقبة الجديدة التي دخلتها المنطقة تحت عنوان «دولة الخلافة الإسلامية».

صحيحٌ أنّ هذه الأوساط لا تملك معطياتٍ كثيرة عمّا دار خلال اللقاء، لكنّها كانت قد حصلت على معلومات عن قلقٍ كبير ينتاب جنبلاط إثر «صحوة» الإسلاميّين المتطرّفين والمشروع المرعب الذي يحملونه والطريقة التي تعاملوا بها مع الأقلية المسيحية في الموصل، وركوب الأطراف الإقليميّين والدوليّين غمارَ اللعبة الكبرى وأسلوبَ عضّ الأصابع حيث لا يعود أحد يهتمّ بالتفاصيل، وهو المدرك أنَّ الأقليات الدينيّة هي تفصيل في إطار اللعبة الكبرى.

وتتناقل هذه الأوساط أنَّ جنبلاط طلب من المسؤولين لديه، المكلّفين التواصل الأمني مع «حزب الله»، وتحديداً مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا إبداءَ مرونة كاملة مع كلّ ما يطلبه «الحزب» على المستوى الأمني. وعلى سبيل المثال، أبدى جنبلاط تساهلاً كبيراً في منح عناصر «حزب الله» تسهيلاتٍ لوجستيّة في مواقع تُعتبر مناطقَ نفوذ له في اعالي جبال الباروك والمناطق المحيطة.

وجنبلاط القلق من العاصفة الآتية من الشرق لا يشيح بوجهه عن احتمال حصول خروق في بعض مناطق إقليم الخروب المتداخلة مع الشوف، خصوصاً أنّ حادثة الاقتصاص من أحد المطلوبين للعدالة في كترمايا منذ بضعة أعوام لا تزال ماثلة في الأذهان.

من هنا، تربط هذه الأوساط توقيتَ اللقاء بين جنبلاط ونصرالله وأهميّته بهذا التطوّر الكبير إضافة الى الاستحقاق الرئاسي. وكان لافتاً تطابق كلام جنبلاط لدى زيارته الرئيس نبيه برّي مع كلام نصرالله عن غزّة ومواقف الأطراف العربيّة. مع الإشارة إلى أنّ جنبلاط يحرص ومنذ مدة طويلة على التنسيق الكامل مع برّي لدرجة أنّه يضعه في التفاصيل والمواقف كافة مهما كانت ثانوية.

وقد تكون دقّة الوضع الإقليمي وخطورته، السبب وراء تحرّك خطوط التواصل الخلفية بين الأطراف السياسيّين في لبنان إزاء ملفّ الاستحقاق الرئاسي. فتيار «المستقبل» يُركّز أنظاره على ملف العراق وتحديداً على مصير رئيس الوزراء نوري المالكي، بانياً حساباته على وجود مؤشّرات إيجابيّة لوصول شخصيّة غيره الى رئاسة الحكومة وفي وقت غير بعيد، ما سيفتح الباب أمام إنجاز ملف رئاسة الجمهورية سريعاً. أما «حزب الله» فلا يجاري هذه «النظرة المتفائلة» ويعتقد أنّ لا علاقة بين الاستحقاقات العراقية واللبنانية.

لكنّ اللافت أنّ الجميع بدأ يُعدّل في توقّعاته الزمنية لإنجاز هذا الاستحقاق. فبعدما كانت الأجواء السائدة سابقاً تقول إنّ مصير هذا الاستحقاق سيطول أقلّه حتى بداية السنة المقبلة، فيما ذهب آخرون الى الحديث عن سنة وحتى سنتين، تنحدّث الأجواء السائدة راهناً في الكواليس عن احتمالٍ كبير لإنجاز هذا الاستحقاق قبل نهاية شهر أيلول، تحت ضغط الملفات الداخلية والأخطار الإقليمية.

ويُروى أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يتولّى جزءاً من هذا الحراك في أكثر من اتجاه داخلي وخارجي.

كذلك يُروى أيضاً أنّ تيار «المستقبل» يناقش في العمق الأسماء المطروحة بخلاف ما يعلنه في مواقفه الرسمية، لا بل يُحكى عن تواصل يومي ومستمرّ بين الرئيس سعد الحريري من الخارج بأحد المرشحين المطروحين جدياً.

ويُعلّق البعض استنتاجات كثيرة على البيان الصادر عن جنبلاط و«حزب الله» لجهة ضرورة الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي. ويُروى أيضاً أنّ الرئيس السابق ميشال سليمان يُوزّع تأييده للجميع قائلاً لكل مرشّح أنّه زكّى اسمه لدى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فيما هو يعلن صراحة وعبر الإعلام أنّه يريد العودة الى قصر بعبدا على قاعدة أنّ لا بديل له.

لذلك، لا شكّ في أنّ شيئاً ما تحرّك على المستوى اللبناني. وصحيح أنّ البعض ينتظر عودة السفير الأميركي ديفيد هيل من إجازته السنوية نهاية هذا الأسبوع، لكنَّ واشنطن التي تراقب من بعيد لن تطرح أيّ مبادرة وسيقتصر دورها على تقريب وجهات النظر إذا كان لذلك من فائدة.

ويبقى موقف رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي يُشكّل حجرَ الأساس لأيّ إنجاز على هذا الصعيد. ولا تزال الأوساط الغربية ترى أنّ ولادة الرئيس الجديد لا بدّ وأن تتأمّن من خلال غطاء مسيحي قادر على نَسجه البطريرك الماروني وعون معاً. وفيما تنتظر صدور إشارات مُشجّعة في هذا الإطار، فإنّها توافق على أنَّ «الغربلة» النهائية باتت تتركّز على اسمين.