يُراهن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في جملة الإتصالات التي يجريها أخيراً، ومنها اللقاء المنتظر مع الرئيس سعد الحريري الى إحداث خرق في الحائط السميك الذي اصطدم به الإستحقاق الرئاسي. فهو على قناعة بوجود فرصة حقيقية لاستعادة اللبنانيين زمام المبادرة، وهو لن يكون حجر عثرة بعد طي صفحة ترشيح كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع.
يُصر الذين يعيشون الأجواء الجنبلاطية أن زعيمهم يتوجس مخاطر المتغيرات المتسارعة في المنطقة منذ الإنتخابات السورية وردات الفعل العالمية عليها، وصولاً الى احتمال قيام «دولة داعش» على أجزاء من ارض العراق وسوريا في بداية مشروع كبير قد يكون له امتداداته الإقليمية والدولية التي لم تظهر كاملة بعد. والتي سمحت بإلغاء جزء كبير من الحدود السورية – العراقية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، ما يؤدي الى احتمال إلغاء حدود أخرى معترف بها لدول أخرى إذا ما كان القرار غير المعلن ببدء تقسيم المنطقة على قياس وامتدادات المذاهب والعشائر بأبعادها الجغرافية والإتنية والعرقية.
ففي رأي جنبلاط ومعه لبنانيون كثر، فإن ترددات ما شهدته الموصل وأخواتها المحافظات العراقية وصولاً الى المحافظات السورية ينبىء بشر مستطير، ولا يجوز للبنانيين ان يتفرجوا على ما حصل من دون ان يكون لهم موقف وإستعدادات لمناقشة الكثير من الخطط للمواجهة، خصوصاً إذا ما تمدّد هذا الفكر الديني المتطرف الى الحدود والمناطق اللبنانية ولو بعد حين. فهناك مساحات سورية حدودية على تماس مع الأراضي اللبنانية خصوصاً لجهة ريف دمشق الغربي، وما الذي يمنع تمدّد هذه الظاهرة اليها. بالإضافة الى انه ليس هناك اي ضمانات تحول دون إمكان استيرادها من الخارج ولو على شكل مجموعات لبنانية صغيرة تبرر كل ما حصل في العراق على انه الرد الأوضح والأصرح على سياسات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، الذي تجاهل مطالب السنة العراقيين وواجههم بالحديد والنار.
على هذه الخلفيات، رفع جنبلاط من حدة حركته واتصالاته وسجّل «طحشة» باتجاه إحياء الحوار مع تيار المستقبل عبر زعيمه سعد الحريري، فأوفد مساعده للشؤون السياسية وزير الصحة وائل ابو فاعور الى المغرب بهدف الإسراع بعقد هذا اللقاء. فهناك أمور كثيرة يمكن القيام بها لتحريك المياه الراكدة في مستنقع الإستحقاق الرئاسي وفق خريطة طريق وآليات محددة يرى جنبلاط انها ملحة وسريعة، ولا بد من اللجوء اليها للخروج من هذا المأزق.
وفي رأي الزعيم الجنبلاطي أيضاً أن هناك إغفالاً دولياً للوضع في لبنان، فهو لم يعد على سلم الأولويات وثبت ذلك في كل المعايير. فزيارة وزير الخارجية الأميركية الى بيروت جون كيري لم تنته تفاعلاتها بعد. وقد كان واضحاً عندما دعا اللبنانيين الى عدم انتظار اي معطى خارجي ولا سيما المفاوضات الإيرانية مع بلاده والعالم، فهي طويلة ومعقدة ولا بد من ان يتخذ اللبنانيون قرارات جريئة تنهي هذا الموضع وتضع الإستحقاق الرئاسي في الواجهة.
وفي رأي جنبلاط ان ما يمكن فعله كثير وكثير، وعلى جميع الأطراف ان تقدم المزيد من التنازلات المتبادلة، وهو ما سيناقشه مع الرئيس الحريري بعدما أجرى سلسلة من المشاورات شملت بعيدا من الأضواء فرقاء كثراً، ولا بد من ان يضع والحريري بدايات للمراحل التطبيقية منها.
وعليه، سيتمنى جنبلاط على الحريري وقف الحوار نهائياً مع زعيم التيار الوطني الحر وخصوصاً ما يتصل منه بانتخابات رئاسة الجمهورية دون غيرها من الملفات المفتوحة بين الطرفين، فالوضع لم يعد يحتمل ما يجري هلى هذا المستوى، وخصوصاً انه اتخذ قراراً نهائياً بشأن ترشيح عون منذ ان اطلع على مضمون محضر لقائه والمؤسسات المارونية.
وفي اعتقاده ان طي صفحة الحوار مع عون ستدفع الأخير الى خطوة سبقه اليها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع باستعداده لفتح الباب امام مرشحين توافقيين جدد. وعندها وفي مثل هذه الحال لن يكون جنبلاط حجر عثرة، فإذا كان لدى قوى 14 آذار أو 8 آذار أسماء تشبه المواصفات التي لدى مرشحه هنري حلو يمكن ان يبدأ العمل الجدي لتوفير الإجماع حوله، وهو في اعتقاده سيحظى بدعم 14 آذار «لأن حلو واحد منهم». وهو عندما ترك اللقاء الديمقراطي انضم الى فريقهم، وفي حال العكس، وعند البحث بمواصفات أخرى، سيبدأ البحث عن مرشح آخر، وهو مستعد للتضحية بحلو، فيُقدِم على خطوة سبقه اليها جعجع وعون.