جنرالات المالكي إلى التقاعد وإيران تشرف مباشرة على غرفة العمليات العسكرية
أوباما يؤيد قيادة عراقية لديها «أجندة جامعة»
بغداد ـ علي البغدادي ووكالات
تصاعد الحراك الإقليمي والدولي للملمة الحريق العراقي الذي يزداد استعاراً من أجل الوصول الى تسوية مقبولة فيما يتواصل التدخل الإيراني المباشر لدعم سلطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مواجهة « التمرد» أو «الثورة السنية» لضمان نفوذ طهران في منطقة الشرق الأوسط.
وفيما حدد الرئيس الأميركي باراك أوباما المساعدة الأميركية الممكنة للعراق بـ300 مستشار لا يشاركون في المعارك، مع احتمال توجيه ضربات جوية محددة، فقد دعا، بشكل غير مباشر، لتغيير القيادة العراقية الحالية، من خلال تأكيده ضرورة وجود مسؤولين لديهم «أجندة جامعة»، علماً أن وزير خارجيته جون كيري كان أكثر وضوحاً بتأكيده أن الولايات المتحدة تدعم الشعب العراقي وليس نوري المالكي.
وبشأن دور إيران في العراق، فقد دعا أوباما طهران إلى لعب «دور بناء» عبر التعامل مع كل المكونات في العراق، وعدم التدخل لمصلحة الشيعة، لأن ذلك سيفاقم الوضع.
وأكد الرئيس الأميركي في كلمة وجهها من البيت الأبيض أنه بعد ثمانية أعوام من الحرب في العراق وسقوط نحو 4500 قتيل، فإن «القوات الأميركية لن تعود الى القتال في العراق لكننا سنساعد العراقيين في معركتهم ضد الإرهابيين الذين يهددون الشعب العراقي والمنطقة والمصالح الأميركية»، وأن واشنطن مستعدة أيضاً لإنشاء «مراكز عملانية مشتركة في بغداد وشمال العراق لتقاسم المعلومات الاستخباراتية وتنسيق التخطيط» لعمليات ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
وأوضح أوباما أنه بفضل المعلومات التي يتم جمعها، ستكون واشنطن جاهزة «لعمل عسكري محدد الهدف وواضح إذا تبين لنا أن الوضع على الأرض يتطلب» ذلك. وقال «إذا قمنا بهذا الأمر فسيكون عبر تشاور واسع مع الكونغرس والمسؤولين العراقيين وقادة المنطقة».
وأعلن الرئيس الأميركي أنه سيوفد «في نهاية الأسبوع» وزير الخارجية كيري الى الشرق الأوسط وأوروبا لإجراء مشاورات حول الأزمة العراقية.
ودعا أوباما المسؤولين العراقيين الى «أن يشركوا» جميع مكونات هذا البلد في العملية السياسية للرد على تهديد «داعش». وقال إن «اختيار المسؤولين العراقيين لا يعود الينا. ولكن من الواضح أن المسؤولين الذين لديهم أجندة جامعة (عبر إشراك جميع الطوائف والديانات) هم وحدهم قادرون فعلاً على جمع العراقيين ومساعدتهم في تجاوز هذه الأزمة». وشدد بناء على ذلك على أن «الاختبار» الذي يتعين على رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي والقادة العراقيين خوضه «هو معرفة ما إذا كانوا سيتمكنون من تجاوز الريبة والانقسامات الدينية العميقة».
كما حض أوباما إيران ذات الغالبية الشيعية، على توجيه رسالة تخاطب كل المكونات في العراق. وقال إن «إيران يمكن أن تضطلع بدور بناء إذا وجهت الرسالة نفسها التي وجهناها للحكومة العراقية ومفادها أن العراقيين يمكنهم العيش معاً إذا ما جمعوا» كل المكونات السنية والشيعية والكردية. وأضاف «إذا تدخلت إيران عسكرياً فقط باسم الشيعة (…) فإن الوضع سيتفاقم على الأرجح».
وجاءت تصريحات أوباما في وقت تقوم الولايات المتحدة بطلعات استطلاع في الأجواء العراقية.
وقال مسؤول أميركي لوكالة «فرانس برس» في واشنطن «نستخدم مقاتلات وطائرات استطلاع من دون طيار»، موضحاً أنه يتم خصوصاً استخدام مقاتلات «اف 18» التي تقلع من حاملة الطائرات «جورج دبليو بوش» الموجودة حالياً في الخليج.
وقبيل إعلان أوباما، أكد كيري في مقابلة مع شبكة «ان بي سي» أن الأمر لا يتعلق بمساندة المالكي، قائلاً «أريد أن أوضح أن ما تقوم به الولايات المتحدة متعلق بالعراق وليس بالمالكي». وجاءت تصريحات كيري بعدما وجه مسؤولان أميركيان الأربعاء انتقادات الى المالكي واتهماه باعتماد سياسة تهميش بحق السنة في البلاد.
وقال رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال الأميركي مارتن دمبسي أمام أعضاء في الكونغرس «ليس ثمة شيء كبير كان يمكن القيام به لنسيان الى أي مدى أهملت الحكومة العراقية مواطنيها. ذلك هو مصدر المشكلة الراهنة».
وأوضح أن المسؤولين الأميركيين حذروا القادة العراقيين مراراً مما يواجهونه من أخطار جراء سياسة تهميش بعض المجموعات الدينية، ولكن تم تجاهل رأيهم تماماً، مضيفاً أنه في معارك شمال العراق نجح المهاجمون في ضم بعض ضباط الجيش الى صفوفهم.
وفي الجلسة نفسها، لاحظ وزير الدفاع تشاك هاغل بدوره أن حكومة بغداد لم تفِ بوعودها لجهة بناء تعاون فعلي مع المسؤولين السنة والأكراد.
واعتبر المسؤول السابق عن القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس أمس أن الولايات المتحدة التي سحبت قواتها من هذا البلد في نهاية 2011 بعد احتلال دام ثماني سنوات، يجب ألا تصبح «قوة جوية للميليشيات الشيعية».
وقال خلال مؤتمر صحافي في لندن «إذا كان علينا دعم العراق يجب تقديم هذا الدعم لحكومة تمثل شعباً يضم كافة أطياف البلاد»، مضيفاً «لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون قوة جوية لحساب الميليشيات الشيعية أو لشيعي في معركته ضد العرب السنة».
وأوضح «إذا أرادت الولايات المتحدة مساعدة العراق فهذه المساعدة يجب أن تكون للحكومة ضد التطرف بدلاً من دعم طرف في ما قد يكون حرباً طائفية».
وفي جدّة، وضع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل النقاط على حروف الوقائع والحقائق التي تجري في بلاد الرافدين عندما حمّل المالكي ما آل اليه العراق ورأى أن دخول «داعش» الى العراق جاء نتيجة سياساته الطائفية وتشبثه بالسلطة وتفرده بصنع القرار وعدم إدراكه للواقع الديمغرافي.
وفرضت الأزمة الراهنة دخول العراق في أتون نزاع طائفي جديد يحمل معطيات استجدت بعد سقوط الموصل ستفرص على المشهد السياسي والأمني والاجتماعي شكلاً جديداً للعراق تضعه أمام مفترق طرق ما بين بقائه موحداً أو تحوله الى ساحة تصفية حسابات إقليمية تقود في النهاية الى تقسيمه.
وبهذا الصدد أمر المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، بإحالة الضباط كافة من رتبة عميد فما فوق الى التقاعد. وكان المالكي أعلن أول من أمس عن إحالة وجبة ثانية من الضباط بلغت 59 ضابطاً الى المحاكمة العسكرية لطردهم من الخدمة أو الى عقوبات تصل الى حد الإعدام.
ويظهر القرار أن المالكي حسم أمره بالاعتماد على المتطوعين الشيعة لمواجهة الثوار السنة وجماعات متطرفة في مقدمتها «داعش» وعدم ثقته بالقوات العراقية الحالية التي تشهد أوضاعاً صعبة في ظل الانهيارات الأمنية وتمدد المسلحين في بلدات عدة واقترابهم من العاصمة بغداد.
وأبلغ مصدر أمني «المستقبل» أن «400 متطوع انتشروا في بلدات سنية في محافظة بابل (جنوب بغداد) بينما شارك المئات في معارك بمدن محافظة صلاح الدين (شمال بغداد) وتلعفر في نينوى (شمال العراق) بالإضافة الى وصول نحو 700 متطوع الى مدينة سامراء».
ويبدو أن تجربة « الباسيج « الإيراني أثارت إعجاب المالكي الذي فتح الباب على مصراعيه أمام التدخل الإيراني المباشر.
فقد أكدت مصادر سياسية مطلعة أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وجه قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بتكليف الجنرال سردار مسجدي بإدارة غرفة العمليات التي تم تشكيلها في العراق وتفرغ سليماني للملف السوري.
وقالت المصادر لـ«المستقبل» إن «خامنئي وجه سليماني بتكليف مسجدي بمتابعة ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة قائد فيلق القدس الى العراق أخيراً لتقديم الدعم والمساندة للحكومة العراقية والإشراف على سرايا الدفاع الشعبي التي تضم متطوعين شيعة عراقيين وعرب بينهم من حزب الله اللبناني».
وأكدت المصادر أن «مسجدي باشر الإشراف على غرفة العمليات التي شكلت أخيراً وتضم خبراء عسكريين عراقيين وإيرانيين بالتنسيق مع حزب الله والنظام السوري لإدارة العمليات العسكرية وتبادل المعلومات»، موضحة أن «سليماني وزع نشاطاته بين العراق وسوريا خصوصاً أن الملف السوري ما زال مشتعلاً ويحظى باهتمام طهران لا سيما بعد المكاسب التي حققها الجيش السوري الحر واستعادة مناطق كانت بقبضة النظام وميليشياته التي بدأت بالانسحاب والعودة الى العراق بعد سقوط الموصل ومدن عراقية عدة بيد تنظيمات سنية مسلحة».
ميدانياً أعلنت وزارة الدفاع العراقية أمس عن مقتل 70 «إرهابياً» بضربات جوية في محافظة صلاح الدين وبغداد. وقالت في بيان إن «قيادة طيران الجيش البطلة وجهت ضربات مؤثرة لإرهابيي داعش في قريتي البو جواري و600 دار، تمكنت خلالها من قتل 55 إرهابياً وتدمير عجلات تحمل احاديات تابعة لهم في شمال بلد».
وأضاف البيان أن «ضربة جوية وجهت في قاطع اللطيفية والمحمودية وبناء على معلومات استخباراتية دقيقة الى تجمع لإرهابيي داعش وقتل 15 منهم أثناء وجودهم في المنطقة».
وكانت وزارة الدفاع أعلنت أمس تطهير ناحية الاسحاقي بمحافظة صلاح الدين (شمال العراق) من تنظيم «داعش»، فيما أكدت اعتقال عدد من عناصر التنظيم والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والعجلات.
في سياق آخر أفاد علي مهدي عضو مجلس محافظة كركوك بأن «مسلحين أفرجوا عن 45 مخطوفاً بينهم 4 منهم من الجنسية التركية و27 من تركمانستان والبقية من الجنسية النيبالية يعملون في مستشفى تكريت وكانوا قد خطفوا في قضاء الدور يوم أول من أمس»، مشيراً الى أن «جميع المفرج عنه بصحة جيدة وتسلمتهم شرطة كركوك وقدمنا لهم المساعدات اللازمة».