اليوم، بعد مرور أيام على المعارك التي دارت في عرسال، وكان مشهدها ضبابياً، إن في سير الاعمال الحربية او في ادارة المعركة، لا بد من قراءة موضوعية في النتائج تفي جيشنا اللبناني بعضا من حقه. ليس صحيحا ان الجيش انهزم او ساوم او تخاذل، كما يحاول البعض ان يروج لحسابات انتخابية ضيقة تتعلق بطرح اسم العماد جان قهوجي لرئاسة الجمهورية. فالجيش اللبناني، ورغم امكاناته الضئيلة وسلاحه المتهالك، تمكّن من ان يحقق فوزاً على تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” لم تتمكّن بغداد ولا دمشق بجيشيهما الجرارين من تحقيقه. وقد انسحب ارهابيو “داعش” تحت وابل من القذائف المدفعية والرشاشات التي اصابتهم في العمق وأوقعت فيهم خسائر كبيرة.
واذا كانت خسائر لبنان ايضا كبيرة، فإنها لا تقارن بالخطة التي كانت تدبّر له بتحويله عراقاً ثانياً، وبنقل الفتنة السنية – الشيعية اليه من “بوابة تحويل بلدة عرسال رأس حربة ينطلقون منها لمهاجمة قرى مجاورة، مما يثير عاصفة طائفية من نار كانت ستدمر لبنان”. اما عرسال البلدة، فإن لا ضحايا بين اهلها، وعندما تم اخراج 42 جريحاً تبين ان 38 منهم سوريون. تبقى الخسارة واقعة على الجيش الذي استشهد عدد كبير من افراده، واختطف عدد آخر تبدو المفاوضات لإطلاقهم شاقة اكثر مما يتوقع البعض، لأن في المساومة خسائر معنوية تفوق الشهادة، بل تقضي على قيمتها.
لكن هزيمة “داعش” في عرسال ليست نهائية أو قاضية، فالارهابيون، رغم الخسائر التي مُنيوا بها، انسحبوا الى خطوط خلفية في الجرود اللبنانية وفي الداخل السوري، حيث لهم امتدادات وامدادات تسمح لهم بالتحضير لجولة جديدة من الاعتداءات، خصوصاً ان هزيمة عرسال كانت الاولى التي يواجهونها منذ بدأوا زحفهم “المقدس” في العراق وسوريا، وربما يحضّرون للانتقام لها بعملية اوسع منها اذا ما وجدوا الخاصرة اللبنانية رخوة في السياسة او في الميدان.
التحسب مبرر ومنطقي، اذ ان العالم كله بدأ يستشعر هذا الخطر الذي لا يقتصر على البلد الصغير لبنان. فقد أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن على بلاده استخدام كل قدراتها العسكرية للتصدي للدولة الإسلامية، محذراً من أن هذا التنظيم المتطرف “قد يستهدفنا في شوارعنا” إذا لم يتم وقف تقدمه.
وحذر كاميرون “إذا لم نتحرك لوقف هجوم هذه الجماعة الإرهابية البالغة الخطورة فهي ستستمر في بناء قوتها، إلى أن تتمكن من استهدافنا في شوارع المملكة المتحدة”.
واذا كان العاهل السعودي حذّر “الذين يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، بأنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد”، فإن الاجدى بلبنان ألاّ يقع ضحية، وأن تتوحد قواه السياسية كي لا نفر كلنا في الجبال مثل مسيحيي العراق وايزيدييه.