يكاد أن يكون هناك إجماع بين اللبنانيين لأول مرة منذ انتهاء الحرب الأهلية على أن الوضع الحالي بلغ من الخطورة مرحلة الذروة، وأنه أصبح على فوهة بركان مهيّأ في كل لحظة للانفجار، رغم المحاولات التي تبذلها الحكومة، وهي محدودة على كل حال بالنظر الى إمكاناتها المحدودة أولاً وبالنظر لما بلغته الأمور من تعقيدات، بسبب ما أحدثته جبهة داعش من تغييرات وتبدّلات في الوضع الداخلي تكاد تصل الى حدود الفتنة المذهبية والطائفية التي تجاوزها لبنان بعد حروب دامت زهاء عقد ونصف العقد من الاحتراب الطائفي، ذلك أن عمليات الذبح التي تمارسها داعش ضد العسكريين الذين خطفتهم في معارك عرسال التي دارت بينها وبين الجيش اللبناني المحدود الإمكانيات في العتاد والذخيرة وغيرها من الوسائل المطلوبة لوضع حد للخطط التي رسمتها هذه الجبهة التكفيرية لإدخال هذا البلد في جحيم الفتنة المذهبية والطائفية.
ومع أن فصول عمليات الخطف والخطف المضاد التي حصلت أمس بين قرى بقاعية من مذاهب مختلفة مرشّحة لمزيد من العمليات المماثلة بالرغم من كل الجهود التي تُبذل من قبل الحكومة ومن قبل الجهات السياسية الفاعلة في البلد، ومرشحة بالتالي لأن تسلك طريقاً تصاعدياً في ظل تقصير الحكومة عن قمعها ووضع حدّ لها، فإن آمال اللبنانيين ما زالت معلّقة على الوعي الوطني لإخماد ما يحصل على الصعيد الداخلي نتيجة ممارسات داعش من جهة واستدراج بعض اللبنانيين من جهة ثانية للوقوع في شباك الفتنة المذهبية التي رسمتها بعناية فائقة آخذة في الاعتبار الاحتقان المذهبي الناتج عن ممارسات هذا البعض واندفاعها الشديد مما أدى الى إقدام هذا التنظيم التكفيري على ممارسات تخدم بلا شك مخططات الاقتتال المذهبي والطائفي.
ويخطئ من يعتقد بأن داعش، سوف تتخلى عن مشروعها لإحداث الفتنة المذهبية بعدما أصبحت شريكاً في لبنان ولها نفوذ قوي في الداخل يجعلها قادرة على استغلال بعض الممارسات للمضي قدماً في تنفيذ مشروعها الفتنوي، وما حصل في بعض القرى البقاعية خير شاهد على ذلك، وإن كان جاء كردّة فعل على ذبح الجندي عباس مدلج الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية، والذي سبق لبعض وسائل الإعلام المحلية أن حذّرت من النتائج التي يمكن أن تترتب على الوضع الداخلي وعلى السوريين النازحين في حال أقدمت داعش على هذه المغامرة، خصوصاً إذا ما ثبتت صحة المعلومات التي ترددت على أن القاتل المفترض للسيد الذي سبق قتله هو لبناني كان غادر طرابلس للقتال في جرود القلمون قبل نحو أسبوعين من بدء معركة عرسال بعدما بايع الدولة الاسلامية وهو مطلوب بمذكرات توقيف عدة بما يرمز إليه هذا المؤشر لجهة استخدام داعش مواطناً لبنانياً لقتل لبناني على أنه محاولة خبيثة منها لزرع الفتنة بين اللبنانيين ومحاولة أخرى لدفع فريق آخر من اللبنانيين للقيام بممارسات خاطئة ضد هؤلاء كما حصل في عدد من المناطق اللبنانية من اعتداءات وإزالة خيم لهؤلاء النازحين مشفوعة بتحذير هؤلاء ومطالبتهم بالرحيل وذلك في أعقاب ذبح «داعش» الجندي مدلج كما عمد شبان غاضبون على الاعتداء على عدد من النازحين والعمال السوريين في بعض مناطق العاصمة وضواحيها على وجه الخصوص ما من شأنه أن يزيد الوضع خطورة ويُنبئ بأن الفتنة باتت تدق أبواب لبنان بقوة ويتعيّن على الحكومة البحث بجدية كاملة عن مخرج للإنقاذ قبل فوات الأوان، فالحذار ثم الحذار من الوقوع فيها..؟!