Site icon IMLebanon

حرب تنصيب أفيغدور ليبرمان

 

يأتي العدوان الحاليّ على قطاع غزّة مباشرة بعد اعلان وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان نهاية الحلف الذي يجمع حزبه «اسرائيل بيتنا» برئيس وزرائه بنيامين نتنياهو وتكتل ليكود، مع بقائه وفريقه في الحكومة، والاحتفاظ بقدرته على فرطها ساعة يشاء، والتسبّب بانتخابات مبكرة من شأنها أن تدفع المشهد السياسي الاسرائيلي قدماً نحو «أقصى أقصى اليمين»، بعد أن صار ينظر الى «أقصى اليمين» الليكودي وعلى «يساره» الشاروني أو «كاديما» على أنّهم «حمائميون» حيال الفلسطينيين، وفي المسألة النووية الايراني`ة، بالتوازي مع النقمة الشعبية الاجتماعية على خلفية أزمة السكن والاحتجاجات المندلعة في هذا الاطار.

العدوان بالمحصلة هو «جرعة دموية تذكيرية» لقطاع غزة وللفلسطينيين في ظروف اقليمية مختلفة كثيراً عما كان قائماً في العدوان السابق الذي تمكّن الحكم الاخواني في مصر آنذاك من أن يلعب دوراً في لجمه، ليطلق العنان مباشرة بعد تهنئته الدولية على ذلك لشهوة استئثارية في الداخل المصري سوف تسرّع بالاطاحة بالحكم الاخواني نفسه في مدّة قياسية. اليوم، الوضع يختلف. لم يعد ينظر الى العدوان الاسرائيلي على ان تداعياته قد تؤدي الى زعزعة حكومات وأنظمة، كما لو ان قناعة ضمنية تسود بأن ما تزعزع منها تزعزع، وما جدّد «شبابه» منها قد جدّد، علماً ان هذه القناعة نفسها تتكل في الوقت نفسه على عدم قدرة اسرائيل على تحقيق أي شيء نوعي في مثل هذا النوع من العمليات العدوانية سوى تلبية «ما يطلبه جمهورها».

فالعدوان الاسرائيلي، من الزاوية الرسمية العربية هو ثنائي المحصّلة: لامبالاة من تداعياته، طالما ان اسباب انعدام الاستقرار اقليمياً لا تنتظره، ومظاهر انكفاء الحراك الجماهيري اصبحت ماثلة للعيان، واتكال على ان اسرائيل لن تنتزع منه شيئاً في الوقت نفسه، وبأنه يتحرّك في «زمن دائري».

أما العدوان منظوراً له من الداخل الاسرائيلي فيشير الى ما هو أكثر خطورة، خصوصاً اذا ما ربطناه بما حدث من أعمال تنكيل قامت به الميليشيات الاستيطانية في الضفة الغربية، بحيث لم يعد ارهاب الدولة الاسرائيلية كافياً، وصار يرتبط مجدداً بدعم عضوي لارهاب الجماعات الاستيطانية. وبالتوازي، هذا العدوان، أياً كان التقويم العسكري الاسرائيلي اللاحق له، سوف يصبّ، مباشرة بعده أو بعد حين، في وصول أفيغدور ليبرمان أو ما يعادله الى رئاسة الوزراء، وعلى قاعدة تصنيف مرحلة نتنياهو بأنها «راكدة»، «متردّدة». هي بهذا المعنى، حرب نتنياهو من اجل تنصيب «طليقه» أفيغدور ليبرمان.

في وقت تفتتح فيه اسرائيل مزاداً دموياً جديداً بين أقطابها، تترسخ دوامة من الرياء يصبح فيها على التوالي شارون ثم اولمرت ثم نتنياهو «حمائم»، حيث تتجه المؤسسة الحاكمة والرأي العام نحو «صقور جدد» في كل مرة، ليعود هؤلاء فيصطدمون بالاشكالية نفسها: يستطيعون تحطيم أرقام قياسية في اظهار عزلة الفلسطينيين عربياً ودولياً، ويستطيعون المراهنة مجدداً على التبلّد الأخلاقي والذهني على كافة المستويات الناظرة الى النزاع، ويستطيعون اظهار خواء كافة الاتفاقيات الموقعة وكافة القرارات الدولية، لكن كل هذا الفائض من الرياء يترتب عليه تسهيلاً لأمور الحقيقة العارية، الحرب الدائمة بين شعبين: الاسرائيليون في مواجهة الفلسطينيين، الفلسطينيون في مواجهة الاسرائيليين، من دون أي قيمة تذكر لمفهوم الدولة لا ان جسّدها الاسرائيليون ولا ان حاول استجماعها الفلسطينيون. ليس تنظيم «داعش» وحده مَن يجرف مفهوماً عن الدولة في هذه المنطقة من العالم.