Site icon IMLebanon

حرب غزة ضمن حروب المشرق

إلى جانب الحاجة الإسرائيلية إلى تدمير أي توافق فلسطيني ومنع تشكيل حكومة غزة- رام الله وتفعيلها، وإضافة إلى حرمان الفلسطينيين من أي مصدر قوة يمكن في مرحلة ما أن يحسن موقعهم التفاوضي، ثمة سمة لا تخفى للحرب الحالية على غزة تضعها بسهولة ضمن ما يجري في المشرق العربي من تفكك.

تذكّر أحداث الأسابيع القليلة الماضية يوضح العلاقة هذه. فبعد أعوام من المفاوضات غير المجدية والاتفاقات التي توزعت أماكن توقيعها بين مكة والدوحة والقاهرة، نجح ممثلو حركتي «حماس» و»فتح» في التفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على تمثيل منصف للتيارات الرئيسة على الساحة الفلسطينية وتضم عدداً من الخبراء والتكنوقراطيين. رفضت إسرائيل الاتفاق الجديد واعتبرته عقبة أمام السلام فيما ألمحت الولايات المتحدة إلى استعدادها التعاون مع الحكومة الجديدة التي أيدها الاتحاد الأوروبي.

جاء خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم قرب الخليل في لحظة سياسية حرجة ما طرح أسئلة صعبة عن الجهة التي أمرت بالعملية والهدف منها. إيران تحاول عبر مؤيديها تدمير التوافق الفلسطيني، قال البعض. المتطرفون في «حماس» لا يريدون التقدم نحو المصالحة الوطنية، أوضح آخرون. مهما يكن من أمر، قُتل المستوطنون الثلاثة ضمن سياقين متناقضين: تصعيد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة وتفاقم اعتداءات المستوطنين على السكان المحليين والتعنت في ملف الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل والجمود الكامل للعملية التفاوضية الفلسطينية – الإسرائيلية من جهة، والتقدم المهم في المصالحة الفلسطينية والمتأثر بأحداث المنطقة وتغير صورتها العامة من جهة ثانية.

يصعب على هذه الخلفية التسليم بالصدفة المحضة وباليأس كعاملين وحيدين في عملية خطف المستوطنين. الرد الاستيطاني بقتل الفتى محمد أبو خضير وبالطريقة البشعة التي تم بها، جاء ليعلي الحقيقة القائلة إن الاحتلال لن يسمح بتغير المشهد الفلسطيني تغيراً لا يصب في مصلحته. ما أعقب ذلك من سلسلة الأفعال وردود الأفعال في غزة وحولها يكاد يكون عملية آلية تحضر فيها عمليات التحدي والاستجابة على المستوى الميداني.

لا جديد فعلياً في مجريات الحرب الراهنة. الجرائم الإسرائيلية والصمت الدولي واللامبالاة العربية وأشلاء الأطفال على شواطئ غزة، سبق أن مرت كلها على شاشات المشاهدين العرب والأجانب ولم تحرك غير قلة قليلة ممن يريد أن يتحرك. الآخرون فضلوا إشاحة النظر أو رفع الأكتاف يأساً.

يرسم ما سبق الجزء الفلسطيني والإسرائيلي من أحداث الشهرين الماضيين. لكن في الوسع الحديث عن جانب عربي مشرقي، إذا جاز التعبير، من الصراع الدائر في فلسطين. فالانقسام العميق بين القوى الفلسطينية يمثل امتداداً للتشققات المهيمنة على المشهد العربي اليوم. وكل محاولة لرأبه تصطدم بإرادات محلية أو إقليمية تمنع نجاح مساعي النوايا الحسنة.

تحشّد الجماعات حول أيديولوجيات دينية وانتماءات عرقية وعصبيات طائفية من الظواهر التي لم ينج منها مجتمع عربي واحد، ما يفتح أبواباً واسعة أمام الصراعات والتدخلات الخارجية وتضخيم أدوار الدمى المحلية. وليس حصيفاً في المجال هذا استبعاد فلسطين (ولبنان الذي يعيش أزمته الخاصة على طريقته) من التأثر بهذا الزلزال الهائل الذي يغير خرائط المنطقة برمتها.

صحيح أن للقضية الفلسطينية خصوصياتها باعتبارها مسألة تحرر وطني من احتلال استيطاني صريح، وصحيح أنها في قلب الصراعات في المنطقة، لكن هذين الخصوصية والموقع يجعلانها جزءاً رئيساً من التغيرات التي تعصف ببلادنا ومجتمعاتنا وتفرض تبديلاً جذرياً في المفاهيم والرؤى والحقائق.