Site icon IMLebanon

«حزب الله» في سورية نهاية زمن الحظ

 

تثبت الوقائع المتوالية، كم أن حزب الله كان متسرعا حينما أعلن حسم نصره في يبرود، ودفعه اغتباطه ذلك للدعوة الى تجهيز الركب للحسم في دير الزور، وكان الحزب قد ورط منظومة مشغليه بهذا الاعتقاد الذي على وقعه ذهبت طهران إلى توسيع بيكار جغرافيتها ليصل الى شواطئ صور بوصفها نقطة الحدود الغربية الجديدة لإيران، فيما ذهب الفرع الثاني من منظومة التشغيل بشار الأسد في خطاب القسم الذي لم يجد أكثر أمانا من احد أقبية القصر الرئاسي ليعلن انتهاء الثورة والثوار، فيما كانت المئات من جثث عناصره تتطاير على جبهات عدة في الميدان السوري؟.

مواكب القتلى العائدين إلى لبنان باتت حدثا روتينيا، بعضه يجري الإعلان عنه ويحظى بمراسم تشييع، وخاصة على مستوى القادة أو من أبناء العائلات الوازنة، والجزء الأكبر يجري مواراته ودفنه سرا خوفا من افتضاح أمر الخيبات الكبيرة التي باتت تلاحق الحزب في سورية ودرءا لشماتة الشامتين، لكن الحزب ربما لم يصله بعد نبأ التغيرات الحاصلة في المزاج الثوري السوري الذي لم يعد يأبه لتعداد العناصر الذين يجري قتلهم في سورية، تلك قضية كانت مهمة في السابق عندما كان بعضهم يعتقد أنها ستؤثر على بيئة الحزب وتساعد في الضغط عليه للانسحاب من سورية، وحينها كان الحزب يعلن على لسان قادته الكبار ان هذا الأمر أقرب للمستحيل « فكروا بغيرها».

ربما لم يفكر ثوار سورية بخيار آخر، لكنهم وجدوا أنفسهم منخرطين ضمن إستراتيجية أكبر وأبعد من تلك التي حاربوا على أساسها نظام بشار الأسد، حينما كان الهدف إسقاط النظام والانتقال إلى حالة ديمقراطية تستوعب جميع أبناء سورية، ذلك أن النظام وحلفاءه» وخصوصا حزب الله» عملوا كل ما بوسعهم لتصعيب عملية الانتقال إلى واقع لا يكون فيه لهم السيطرة والتحكم بسورية وتوجهاتها، وفي سبيل ذلك جلبوا للبلاد الدمار ولشعبها الموت والنزوح، وذهبوا لمحالفة الشياطين واستدعاء كل الثعابين من أوكارها للحفاظ على وضعية تكون لهم فيها اليد العليا في سورية، بل وصل الأمر بحزب الله الى الاتجار بالحشيش حسب موقع «ديلي بيست» وصحيفة» الاندبندنت»، من اجل تمويل عملياته في سورية دفاعا عن بشار الأسد؟.

دون ان يدري حزب الله، وربما لم يرغب بذلك، أنتج التحدي الذي فرضه على المنطقة استجابة موازية، على أساسها جرى إعادة صياغة المعركة، ولكن هذه المرة، بما هو أبعد من قضية إسقاط نظام بشار الأسد، التي صارت تشكل هامشا ضمن إطار أوسع، بات يهدف الى إسقاط الحلف بكامله بدءا من الرأس في طهران وصولا إلى الذيل في الضاحية الجنوبية، عند ذلك لم يعد أحد يهتم بتعداد قتلى حزب الله، بل ثمة تكتيك خبيث صارت تعتمده بعض الأطراف لمساعدة حزب الله على التستر عن أعداد القتلى، لم يعد المطلوب نصف هزيمة، صار المطلوب إنهاكه وإخراجه نهائيا من ساحة المشاغبة لسنين طويلة، عملا بقاعدة» دعه يموت بصمت».

لكن كيف حصل ووقع حزب الله في فخ التسرع ذاك بما أظهره كفريق هاو بلا خبرة عسكرية وبدون تقديرات سليمة للموقف وقراءة صحيحة للواقع؟، كيف أقنع نفسه بانتصاره على الثورة السورية والقضاء على مفاعيلها لدرجة ذهب معها أمينه العام حسن نصر الله الطلب من فلول الثورة السورية وما تبقى منها الاستسلام وكاد يحدد لهم الشروط ومكان التفاوض وزمانه، وكل ذلك تحت سقف وجود بشار الأسد؟، الم يكن الأجدر تأمين سقف لبشار الأسد ليكمل الفرح بهذا الانتصار بدل سقف قبو قصر الشعب؟، ثم ألم تكفي كل تلك الجهود التي بذلها الحلف المؤيد للأسد وأذرعه من كتائب حزب الله وفيالق القدس وألوية الفضل ابو العباس، ومليارات الدولارات التي صرفت، كلها لم تكف لتأمين وسط دمشق حيث يقع البرلمان السوري ليعلن الرجل انتصاره على المؤامرة الكونية!، الأرجح أن حزب الله أراد الظهور أمام مشغليه بأنه أنجز ما تم تلزيمه به بالوقت المتفق عليه والميزانية المخصصة له، شيء يشبه منطق عمليات التعهدات، وإن كانت آليات التنفيذ عسكرية!.

لكن أيضا ما الذي حصل على جبهة الثورة وفي ميادين المجابهة وقلب الأمور على تلك الشاكلة، الواقع أن تغييرات بسيطة، أنتجت ذلك التغيير الخطير في موازين القوى على الأرض، حيث عدلت قوى الثورة من تكتيكاتها القتالية وكان العنصر الأهم في هذا التعديل عدم إعطاء مسألة السيطرة على الأرض أهمية كبرى، بل دفع الخصم إلى الانتشار الواسع بما يقلل من زخمه وفاعليته ويستنزفه ضمن مساحة واسعة وفي تضاريس معقدة، وفي إطار هذا المعطى تقوم الثورة بعمل مناورات وهمية، كما هو حاصل بكثافة في جرود القلمون، يندفع على أثرها حزب الله في ملاحقة الثوار ويقع في مصائد كمائن محكمة ودقيقة، وهذا ما يفسر الأعداد الكبيرة من القتلى في صفوف الحزب في الأسابيع الأخيرة، ويتندر الثوار على قلة خبرة عناصر الحزب وسهولة وقوعهم فرائس تلك الكمائن، الأمر الذي دفع بالبعض إلى الاعتقاد بأن الحزب بات يرسل المتطوعين دون إخضاعهم لدورات كافية في القتال؟.

ولكن لماذا يفعل حزب الله ذلك، هل انخراطه في الحرب السورية أدى إلى تفكيك كتائبه والقضاء على النخبة في صفوفه؟، ثمة معلومات تؤكد بأن الحزب فقد في الحرب السورية حوالي ألف مقاتل، لكن المشكلة الأكثر خطورة هي أن أعداد الجرحى فاق العشرة آلاف، جزء كبير منهم صار خارج الخدمة نتيجة تعرضهم لإعاقات كبيرة، وهو ما يفسر عمليات التطويع المتزايدة التي يطلبها الحزب وكذلك زجه بالصغار وقليلي الخبرة على جبهات القتال.

لا شك أن الحزب اليوم أمام مأزق خطير فرضته المتغيرات، بالأصل هو حقق إنجازاته السابقة حينما كانت لديه أهداف واضحة على الأرض تتمثل بمقرات المقاتلين السوريين، وكان يستفيد من القصف التمهيدي لطيران النظام، ويضع المقاتلين العراقيين في المقدمة كحائط سد بينه وبين الثوار السوريين، وكان يدخل المعركة بعد أن تنجز الطائرات مهامها وينهك الثوار بقتال الكتائب العراقية، اليوم تبدل هذا الواقع كلية، فلا الثوار عاد لديهم مقار ليقصفها الطيران ولا عراقيين يشكلون جدران حماية بعد أن جرى استدعاؤهم لمقاتلة داعش، فيما صار عناصر حزب الله مجردين من كل تلك الاضافات اللوجستية وباتوا يتعثرون بكمين ويقعون بحفرة كمين آخر.

انه بتعبير آخر نهاية زمن الحظ، الوقائع تقول ذلك، وصار مطلوباً من حزب الله أن يواجه تشكيلات تقاتل بتكتيكات من خارج زمن التكتيكات التي تعود عليها وخبرها الحزب، ما حصل أن كتائب الثورة وبما تمتلكه من مرونة وقدرة على التكيف استوعبت الهجوم الذي تعرضت له وقامت بتفكيك طريقة عمل وأساليب حزب الله القتالية وصاغت نمط مواجهة جديداً ليس بمقدور حزب الله كسره، أقله في الزمن المنظور.