حرب غزّة وحروب سوريا والعراق تثير مخاوف الجميع في لبنان باستثناء “حزب الله”، المفعم بالطمأنينة والطمأنة. فأخيراً وليس آخراً أعاد الشيخ نعيم قاسم تذكير اللبنانيين بأنه “لولا حزبه…” لما حلّت هذه المخاطر وتلك، رغم أنها حلّت فعلاً، وبسبب خطايا حزبه. وأخطر تلك المخاطر أن تنظيم “داعش” كان على وشك اقامة إمارة له في لبنان”، وأخبرنا قاسم أن حزبه تمكّن من تعطيل هذه الإمارة “بالتعاون مع القوى الأمنية والجيش اللبناني”.
أما الخلاصة التي أراد بلوغها فهي “لولا تدخّلنا في سوريا لكنّا نقاتل الآن داخل بيوتنا وقرانا وفي الأعماق وصولاً الى بيروت”. وعلى ذلك فإن اللبنانيين أمام خيار واحد: إما “حزب الله” وإما “داعش”. ولدى المقارنة بين هذين السيئ والأسوأ لا بدّ من أن يوجّهوا الشكر الى “حزب الله” على قتاله الى جانب النظام في سوريا، لا أن يطالبوه بالانسحاب منها.
لذلك قد يكون سعد الحريري أخطأ، في نظر “حزب الله”، حين اقترح خريطة طريق “لحماية لبنان” وضمّنها هذا الانسحاب من سوريا بل جعله خطوةً متلازمةً مع إعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة الارهاب “بكل أشكاله ومسمّياته” وكأنه يشير الى وجود ارهاب آخر “غير داعشي”. وأكثر من ذلك اعتبر أن مواجهة الارهاب “ليست مسؤولية جهة أو طائفة بعينها”، أي إنه لا يعترف بأفضال حسن نصرالله ونعيم قاسم على الأمن والأمان في لبنان، بل يدعوهما وحزبهما الى أن يكونوا جزءاً من خطة “وطنية”. فأي شيء يُحَمّل الصفة الوطنية يزعج “الحزب” في طمأنينته. لكن الأكثر ازعاجاً أن خريطة الحريري حدّدت الأولويات الوطنية، وليس بينها خيار المقاومة، بل جاء انتخاب رئيس للجمهورية على رأسها، وفي ذلك ما فيه من مخاطبة مباشرة للمسيحيين واحترامٍ لاستحقاق يعتبرونه خاصاً بهم.
استناداً الى تجربة الحكومة الحالية أمكن ترجيح خيار الاعتماد على الدولة في مواجهة الارهاب كرهان صائب وطبيعي، رغم محاولات “حزب الله” وامتداداته داخل بعض الأجهزة للتلاعب والتوريط والتشويش بغية اثبات العكس، أي حتمية الاعتماد عليه بشكل خاص وتجنباً للتخريب الذي يستطيعه بلا أي شك. يُفترض بديهياً أن وجود “الحزب” شريكاً في الحكومة يمنحه رصيداً من أي نجاح تحققه القوى الشرعية، لكن عقله السياسي يصوّر له أي نجاح للدولة كحسمٍ من سطوته. لذلك يفضل تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية والانتخابات البرلمانية ليبقي الدولة والحكومة والمؤسسات تحت رحمته، هشّةً وعرضةً للانهيار، في انتظار متغيّرات اقليمية تمكّنه من تنصيب رئيس يتناغم مع بشار الاسد. لطالما حذّر “حزب الله” خصومه من انتظار غير مفيد لتلك المتغيّرات، أما اليوم فهو مَن يجب تحذيره.