Site icon IMLebanon

حزب الله «يحاضر» بالدستور.. و«يحاصر» الجمهورية

 

في جحيم المرحلة السياسية التي يكاد يحلّ فيها الشهر الأول لإفراغ مقعد رئاسة الجمهورية عن سابق تصوّر وتصميم، يطل نائب الأمين العام لـ «حزب الله« الشيخ نعيم قاسم مفنّداً تفاصيل التعطيل متّهماً قوى 14 آذار بما يقوم به حزبه: «جماعة 14 آذار لا يريدون استقراراً سياسياً«.

من باب تأمين النصاب النيابي لجلسة مجلس النواب وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولج قاسم الى «ملف» التعطيل، وكم يطول توصيفه على اعتبار أن الشياطين تكمن في التفاصيل. ولأن «لكل مقام مقال» فإن ما يصفه قاسم بـ«التعطيل» في شأن إقرار السلسلة ليس تعطيلاً ميثاقياً ودستورياً كالذي «ارتكبته» قوى 8 آذار وأوّلها «حزب الله» وحرمت الشعب اللبناني من رئيس جديد للجمهورية، وعطّلت المسار الدستوري لاتّفاق الطائف.

فالشيخ قاسم يربط «الاستقرار السياسي» بسلسلة الرتب والرواتب، في حين أن الاستقرار السياسي مرتبط ارتباطاً عضوياً بالمجالات اللبنانية كافة: السياحية، التربوية، السياسية، الأمنية، الانتخابية، القانونية.. أما «حزب الله» فلا يعنيه من الأمر سوى الاستقرار السياسي، حتى يُبقي لبنان تحت سيطرة سلاحه، وتعطيله لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية يندرج في إطار مخاوف الميليشيا المسلّحة من أن يفوز مرشّح قوى 14 آذار الدكتور سمير جعجع بالرئاسة.

إذاً، إن «حزب الله» غير معنيّ بالاستقرار المالي، فهكذا استقرار يفرض عليه كفّ يده عن المرافق الحيوية التي من المفترض أن تصبّ مصادر أموالها في خزينة الدولة. وكذلك فإن الاستقرار المالي للحزب هو أهم من الاستقرار المالي للبلد، طالما أن إيران تقلّص تمويلها فإن الحاجة الملحّة الى مورد مالي لا غنى عنه، طالما أن غطرسة السلاح غير الشرعي يتم استنزافها من دون رحمة من سوريا الى العراق..

في الواقع، إن ما يعتبره قاسم تعطيلاً لجلسات إقرار السلسلة، ليس سوى نتيجة بديهية للتعطيل الدستوري الذي تمتهنه قوى 8 آذار لعدم الإتيان بجعجع رئيساً للجمهورية، فمعه ستنقلب الموازين لا لصالح هذا الفريق أو ذاك، بل لصالح الدولة أولاً وبالتالي الشعب اللبناني. والعجب أن من يدعو قوى 14 آذار الى «الدخول إلى المجلس النيابي وليقدموا آراءهم وأطروحاتهم، وإذا كانوا أغلبية يستطيعون إنجاح أفكارهم في مقابل الأفكار الأخرى«، هو نفسه من كان موافقاً ومتواطئاً على إقفال المجلس النيابي عاماً ونصف العام، حيث لم يكن بإمكان الأكثرية في حينها أن تدخل المجلس النيابي لتقوم بالمهام الموكلة بها من قبل الشعب اللبناني. فهل يريد «حزب الله» أن يحدّد لقوى 14 آذار روزنامة مواعيد لأوقات الدخول الى المجلس، وإملاء التصريحات والأفكار عليهم؟

«لا يريدون حلاً عمليّاً لمسيرة لبنان« هذا ما خلص إليه نعيم قاسم.. وكيف يمكن تحديد حلّ قبل الاتّفاق على تحديد المشكلات؟ وهل مشكلة لبنان الوحيدة سياسياً هي في عدم مشاركة قوى 14 آذار في جلسة إقرار السلسلة؟ وإن كان كذلك فإن هذا ما جنته أيدي «حزب الله» من تعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية، فلن يكون مجدياً دفن الرأس في الرمال، فلو كان «حزب الله» مهتمّاً جدّياً بإقرار القوانين ومعوّلاً على نشاط المجلس النيابي كان حريّاً به أن يسعى الى إعادة إحياء المجلس في عهد الحكومة السابقة حيث لم يتعدَّ إقرار القوانين عدد أصابع اليدين.

ويُبدي قاسم حرصاً على تلامذة المدارس، لكن طبعاً ليس بالطريقة ذاتها التي يحرص فيها حزبه على الشعب اللبناني وقد جسّد «قمّة» الحرص في 7 أيار 2008. اتّضح حينها أن «حزب الله» يحرص خصوصاً على أبناء بيروت والجبل، فالدمار والقتل والتعبئة الشعبية هي من ضمن خطّة الحرص.. حينها لم يكن «حزب الله» يحرص على التلامذة، فالاهتمام تركّز على كيفية إخضاع تيار «المستقبل»!

ولا شكّ في أن رأي قاسم بالتعطيل هو الدرس الذي يجب على كل الشعب اللبناني أن يستفيدَ منه ويحتكم إليه: «(..) التعطيل في كل الحلول السياسية في البلد، والتعطيل في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا أمر لا ينفع أحداً«. ليس سهلاً الاكتشاف أن التعطيل لا ينفع أحداً، فربّما كثر يحتاجون الى أكثر من شهر ليكتشفوا ذلك.. الحلّ بسيط وجذري، ويحتّم مشاركة قوى 14 آذار في كل جلسات المجلس النيابي: إذا توجّه «حزب الله» وشريكه تكتل «التغيير والإصلاح» الى مجلس النواب في 2 تموز المقبل، واكتمل النصاب، «وليقدّموا آراءهم وطروحاتهم» – وهذا ما قاله نعيم قاسم في تصريحه – حينها يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى هذا الأساس لن يمانع أي طرف من المشاركة في جلسات المجلس اللاحقة، طالما أن هناك رأساً للسلطة يوقّع على القوانين الصادرة عن المجلس النيابي، بحسب الدستور..