Site icon IMLebanon

«حزب الله».. يضحّي باللبنانيين ويزعم التضحية من أجلهم

 

في العادة؛ يبحث الإنسان عن تسويغات منطقية لأفعاله. الجماعات تفعل ذلك أيضاً، وعندما يشعر الإنسان – أو الجماعة – أن مبرراته لا تقنع الآخرين، يغير ويبدل ويستنجد بالوقائع والأحداث التالية، ليأخذ منها سنداً بمفعول رجعي أن ما يفعله مقبول. هذا السلوك المعروف في علم النفس ينطبق تماماً على ما يقدمه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله من مبررات لقتال حزبه في سوريا.

في البدء قال إن حزبه دعم لبنانيين موجودين في ريف القصير «وقد قرروا الدفاع عن أنفسهم وعن أرواحهم وعن أعراضهم وعن أملاكهم» (11/10/2012). وبعد أقل من شهرين رفع نصر الله شعار الدفاع عن مقام السيدة زينب لأنه «لو وصلت الجماعات التكفيرية إلى مقام السيدة زينب وهدمته لكانت اندلعت فتنة مذهبية في المنطقة» (4/12/2012). ومع تضخم دور الحزب خارج القصير ودمشق جعل نصر الله قتال حزبه في سوريا من أجل «تحصين المقاومة وحماية ظهرها وتحصين لبنان وحماية ظهره» (25/5/2013). وبعد قرار الحزب احتلال منطقة القلمون صارت الحرب بالنسبة لنصر الله «حرباً مصيرية ضد التكفيريين وتتطلب وقتاً» (16/2/2014). ثم جاءت أحداث عرسال، فاتخذ منها نصر الله حجة جديدة أو إضافية، وأصبح «الذهاب للقتال في سوريا هو للدفاع عن لبنان، وعن المقاومة في لبنان، وعن كل اللبنانيين من دون استثناء» (15/8/2014). ولعل الإضافة الأهم هنا عبارة «كل اللبنانيين من دون استثناء»، باعتبار أن داعش خطر كبير على الجميع، وأن «حزب الله» أخذ على عاتقه الدفاع عن الجميع؛ من فوّضه ومن لم يفوّضه، وسواء اقتنع بمبررات الحزب أم لم يقتنع!.

وكما هي حال القوى المستكبرة؛ فإن كثيراً من المنظرين يضعون أنفسهم برسم تبرير أفعالها. هؤلاء قالوا بعد أحداث عرسال وقبلها- إن قتال «حزب الله» في سوريا هو حرب استباقية ضرورية، وإلا لصارت «داعش» عندنا. وهو المنطق نفسه الذي تستعمله «إسرائيل» لشن حروبها العدوانية على لبنان، «لئلا تصبح المقاومة الفلسطينية ولاحقاً اللبنانية- قادرة على تهديد أمنها»، وهو المنطق نفسه الذي تستعمله الولايات المتحدة الأميركية في عدوانها على كثير من دول العالم، لا سيما في زمن المحافظين الجدد الذين اعتمدوا على هذه النظرية لتكريس ما يسميه فوكوياما «الهيمنة الخيرة»!. «حزب الله» يقول اليوم أنا من أقرر المصلحة. الأحداث تظهر أنني على حق، عندما أخذت القرار بمعزل عن بقية اللبنانيين، مكرساً الهيمنة على الدولة، لأنها هيمنة على حق ولخير اللبنانيين بلا استثناء!.

في حديثه الصحافي الأخير، كرّس نصر الله أن المقاومة – المختَلف على إمرتها وطريقة إدارتها أصلاً – ليست فقط ضد العدو الإسرائيلي، وليست فقط على حدود لبنان الجنوبية، وإنما أصبحت ضد العدو السوري «التكفيري»، وعلى الحدود الشمالية والشرقية للبنان، وهي والحال هذه مشروعة ووطنية فـ: «قتالنا في سوريا لا ينفي البعد الوطني عن المقاومة لأننا ندافع عن وطننا على الحدود». وبطبيعة الحال فإن المشروعية هنا لا تُستمد من الدستور، ولا من القانون، ولا حتى من البيان الوزاري، وإنما من قوة الأمر الواقع.

ما سبق كله وقائع استكبارية، لكن جديد تبريرها؛ تخويف المسيحيين انطلاقاً مما جرى في عرسال، فـ «لو لم يقاتل حزب الله في القصير وفي القلمون، لم تكن المعركة الأخيرة في عرسال فقط. كان البقاع خلص، وكانوا وصلوا إلى الجبل وعكار والساحل، ولكانت المعركة في بيروت والجنوب».

داعش خطر هذا أكيد؛ لكن نصر الله يريد أن يستغل هذا الخطر ليقول لمنتقديه؛ سلموا بالأمر الواقع وانضموا إلى ما أراه، فوفق خطابه مساء الجمعة (15/8) يجب الآتي:

أولاً: إقحام الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى في مواجهة مع الجماعات السورية المسلحة جميعها، نيابة عن «حزب الله» ولمصلحة النظام الذي يدعمه، ومن دون التفكير بمساعدة دولية لضبط الحدود، وفق الـ 1701 «لأن اليونيفيل يريد من يحميه، وهم لا يستطيعون حماية أحد».

ثانياً: تحميل الحكومة اللبنانية عبء مواجهة الإرهاب دون أي نقاش في مسبباته، أو في المصلحة من قتال الحزب في سوريا، لأن «هذا النقاش لن يوصل إلى أي نتيجة، واليوم هناك خطر حقيقي، والمسؤولية الوطنية تقول قوموا لنحمي البلد ونحمي شعبنا».

ثالثاً: عدم انتقاد سياسات وممارسات الحزب من أي سياسي باعتباره تحريضاً طائفياً لا يصح في معرض المواجهة «الوجودية»، ولأن الحزب «لن ينهز ولو تحدثوا ألف مرة، ولن يقدم هذا الكلام ولن يؤخر».

رابعاً: إجراء مصالحات شعبية تكرس واقع أن الحزب يقاتل في سوريا، وأن الآخرين ليس من حقهم مجرد التعاطف مع المعارضين السوريين، انطلاقاً من أن ما وافق عليه الحزب في إعلان بعبدا، ليس صالحاً أو لم يعد صالحاً- فـ «هذه سياسة النأي بالنفس، التي لم نطبقها نحن ولم يطبقها غيرنا لغاية اليوم، غير صحيحة، وقد وصلنا إلى مكان؛ الجيش اللبناني يذبح ويعتقل جنوده، وهناك من يدعو إلى النأي بالنفس وعدم الحديث عن سوريا؛ هل هذا منطق؟.

خامساً: معالجة واقع النازحين السوريين في لبنان، «والمعالجة تكون من خلال الجلوس مع النظام (السوري)».

سادساً: انتخاب حليف الحزب الإستراتيجي، ومرشحه الأوحد رئيساً للبلاد و«حاجة تلفوا وتروحوا وتجوا، الجميع يعرف مع مين لازم تحكوا لحل هذا الموضوع».

وبعد ذلك؛ «يمكن هزيمة هذا المشروع (داعش) بكل سهولة إذا تحملنا المسؤولية… ونحن فريق مستعد للتضحية، نحن نقدم الشهداء والجرحى في هذه المعركة يومياً، ونحن لن نبخل على شعبنا ولا على أهلنا ولا على مقدساتنا».

لنفترض الآن جدلاً أن الجميع سلّم بخطة الحزب التي يطرحها لمواجهة «داعش»؛ فهل يكون البلد محصناً تجاه الإرهاب أم عرضة له أكثر؟! وأي مصلحة وطنية في أن تظهر أجهزة الدولة كلها؛ الجيش والقوى الأمنية والحكومة، وكأنها تعمل لصالح النظام السوري؟ وما الضير في ضبط الحدود من خلال الجيش اللبناني وبمظلة دولية؟ وهل المصالحات الشعبية تتناسب مع أن يقوم أهل اللبوة بتحريض من الحزب بقطع شريان الخبز والماء والدواء عن أهل عرسال رغماً عن الحكومة والجيش؟ وهل يتناسب أن «مصلحة عرسال مع البقاع الشمالي» (وفق نصر الله) مع التحريض عليها بالمواقف والأناشيد والفيديوهات، وصولاً إلى قصفها بصواريخ «المقاومة»؟، وأين سيصبح الشارع المحتقن، إن خضع الكل للحزب، ألا يمكن أن يتحول السنة بنسبة أكبر عن الاعتدال جراء القهر، باعتبار أن التطرف يستدعي التطرف؟! أليس هذا ما حصل في العراق بعدما أمعن نوري المالكي في ممارسته الطائفية فخرجت داعش من القمقم لتجد حضانة سنية، ولو مرحلية؟!.

وأهم من ذلك كله؛ هل «حزب الله» في موقع من يُسدي النصائح في مواجهة الإرهاب؟ أليس متهماً بجريمة إرهابية كبرى منذ العام 2005 وبجرائم اغتيال أخرى مرتبطة بها- وهو ما يزال يؤوي المتهمين، أو يرسل بعضهم إلى جبهات القتال، كما حصل مع محمود حايك ومصطفى المقدم وآخرين؟! ألا يحتل الحزب والنظام السوري اليوم بلدة لبنانية اسمها الطفيل؟! وقد جاء احتلاله لها بعد تعهدات كلفت صورة الدولة الكثير قبل أن ينكث بها؟ أليس مسؤولاً بشكل غير مباشر عن ظهور داعش وأخواتها، بعدما وضع ثقله لمنع سقوط النظام السوري، ما أدى إلى تقهقر الجيش الحر لصالح الجماعات المتطرفة؟ وهل يمكن لمن يؤمن بولاية الفقيه، ولمن يقاتل في كل بلد، من بلادنا العربية إلى قلب أوروبا، أن يبكي على حدود سايكس بيكو التي حطمتها داعش؟!.

واقع الحال حالياً؛ لا سيما بعد ما جرى في عرسال، أن طرفاً واحداً يقاتل في سوريا، وأن الآخرين الذين يقاتلون ضد النظام أفراد قلائل لا مرجعية سياسية لهم، وهم يلاحقون ويحاكمون في كل حال، وأن الوقائع تزيد من القناعة أن تدخل الحزب في سوريا يستجلب البلاء على لبنان، فليسمح لنا الحزب، لمرة واحدة، ولا يضحي من أجلنا، ولا يقدم «الشهداء» من أجلنا! ليسمح لنا، لمرة واحدة، أن نضحي نحن من أجل أنفسنا وعلى الطريقة التي نراها مناسبة! هل هذا كثير على اللبنانيين الذين لا يؤيدون الحزب؟!.