حزب الله يُدرك أن موقع إيران يتزعزع.. واشتداد الضغط يفتح الباب للرئاسة اللبنانية
لبنان لم يتحوّل إلى نقطة جذب لـ «الجهاديين» على غرار العراق وسوريا!
التنسيق الأمني بين الأجهزة اللبنانية والغربية ساهم بتزويد الأمن العام بحركة الأشخاص المشتبه بهم
في خضم التحوّلات الإقليمية المتسارعة، ولا سيما تلك التي يشهدها العراق، وما سيترتب عليها من نتائج على الساحة الداخلية العراقية، التي لا يزال باكراً الجزم بمسارها النهائي، ومدى الانعكاسات المرتقبة على دول الجوار، وفي مقدمها الحرب السورية المتأثرة بشكل مباشر نظراً لتداخل البلدين، وامتداد تأثيراتها إلى لبنان، فإن ثمة اقتناعاً سياسياً – أمنياً بأن الوضع الأمني في لبنان سيبقى على نسبة كبيرة من التماسك والاستقرار، على أقله في المدى المنظور، بالرغم من الاختراقات الأمنية التي شهدها خلال الأيام الماضية.
ومردّ هذا الاقتناع أن لبنان لا يزال يحظى بمظلة إقليمية – دولية تهدف إلى حمايته من امتداد الحريق السوري – العراقي إليه، واستعادة مشهد الاحتقان المذهبي الذي قد يؤول إلى دخول البلاد مجدداً في حال من اللااستقرار الأمني المفتوح على التفجيرات والعمليات الانتحارية بالوتيرة التي عاشها لبنان سابقاً، قبل أن تُبصر الحكومة السلامية النور، ويستعيد لبنان معها نوعاً من التوازن السياسي الداخلي أراح البلاد ووفّر غطاءً سياسياً أسهم في اتخاذ إجراءات أمنية حازمة ساهمت إلى حدّ كبير في ضبط الوضع الأمني وخلق مناخٍ من الاسترخاء الداخلي.
ففي المعلومات المُستقاة من دوائر أمنية أن ثمة تنسيقاً أمنياً رفيع المستوى يجري بين الأجهزة الاستخباراتية اللبنانية والغربية، سواء الأوروبية أو الأميركية التي تعمل على تزويد الجهات الأمنية، ولا سيما الأمن العام، بحركة الأشخاص ذوي الجنسيات الأجنبية والمشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات جهادية أو منظمات مصنّفة إرهابية تنشط راهناً في سوريا والعراق وربما عبَرَت إلى لبنان، بحيث تشكل خلايا نائمة للقيام بعمليات انتحارية، مستفيدة من انفلاش هذه التنظيمات وإعادة جمع قواها وتعزيز نشاطها بعدما وجدت أرضاً خصبة لها في الحرب السورية. وهذا التنسيق ساهم عملياً في اليقظة الأمنية والإجراءات الاحترازية، وحتى العمليات الاستباقية في فندقي «نابليون» و«دي روي» بمعزل عن الانتقادات التي طاولت عمل الأجهزة، سواء شعبة المعلومات أو الأمن العام، في تنفيذ هذه العلميات التي كان يمكن أن تُنفّذ بشكل احترافي لا يؤدي إلى حال من الهلع والهستيريا التي عاشها لبنان يوم الجمعة الماضي، وربما كان يمكن أن يحول دون تفجير الانتحاري لنفسه داخل فندق «دي روي» في الروشة قبل أيام ثلاثة.
وتتقاطع، في هذا الإطار، القراءات السياسية – الأمنية حول أن ما نشهده من أعمال أمنية لا يؤشر على وجود استراتيجية فعلية لتحويل لبنان إلى ساحة لتنفيذ عمليات انتحارية وتفجيرات مدروسة ومُعدّة باتقان، على غرار ما جرى سابقاً، بقدر ما يدل على كونها أعمالاً تنفذها خلايا صغيرة تتسم باللااحترافية، تأتي كردّة فعل من أشخاص يعتريهم اليأس والنقمة على «حزب الله» وممارساته في الحرب السورية، الأمر الذي يدفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بأن التفجيرات، وإنْ حصلت مجدداً، لا تشكل خطراً حقيقياً، انطلاقاً من يقين هؤلاء بأن لا بيئة لبنانية فعلية حاضنة لـ «الفكر الداعشي» وأن لبنان، راهناً، ليس نقطة جذب، رغم استمرار «حزب الله» بالقتال في سوريا، ذلك أن الأنظار تـتّجه إلى العراق، الذي تحوّل بعد سوريا إلى نقطة جذب جديدة.
وعلى الرغم من استعار المواجهة السعودية – الإيرانية في المنطقة، فإن المتابعين يرون أن نسبة الاستقرار، الذي يعيشه لبنان، لا يزال يُشكّل مصلحة مشتركة للقوى الإقليمية المتصارعة في غير موقع وجبهة. ويذهب هؤلاء إلى الظن بأن التطورات المتسارعة في العراق، والتي تشكل عامل إرباك واستنزاف ومواجهة للمشروع الإيراني في العراق والمنطقة، تجعل «حزب الله»، بوصفه ذراعاً إيرانية في لبنان ولاعباً إقليمياً لحماية مشروعها، يعمل على تجنّب الدخول في أي خضات أمنية أو سياسية في لبنان، ذلك أن أولوياته ليست في الداخل، بحيث أن التركيبة السياسية الراهنة التي تمثلها الحكومة السلامية والتركيبة الأمنية القائمة توفران له استرخاءً داخلياً، لا بل تؤمنان، بحكم الأمر الواقع ومشاركته في الحكومة، غطاءً لوجوده العسكري في سوريا، والمرشح إلى رفع عديده هناك لملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الميليشيات العراقية الشيعية إلى بلادها للقتال في وجه «الثورة السنية» ضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والهيمنة الإيرانية على البلاد، حتى أن الحزب، الذي تحدثت المعلومات عن إرساله مئات من كوادره وقياداته الميدانية لمساعدة المالكي في حربه ضد المنتفضين السنة، قد يضطر إلى إرسال مقاتليه إلى العراق إذا شعر بأن الخطرَ بات محدقاً ببغداد، وباتت عُرضة للسقوط في يد «الثوار». فمحور إيران – سوريا – «حزب الله»، الذي كان يَعتبِر قبل أسابيع أنه انتصر على خصومه، يُدرك اليوم أن موقع إيران في اللعبة الإقليمية قد تزعزع، وأنها تواجه معركة شرسة قد تصل شرارتها إلى الداخل الإيراني، ولا سيما أنها أضحت منخرطة بالمباشر في العراق بإقرار أميركي، وهو انخراط سيؤدي إلى مزيد من استنزافها.
وفي رأي قيادات بارزة في قوى 14 آذار، فإن «حزب الله»، الذي كان حتى الأمس القريب يُبدي ارتياحه حيال الاستحقاق الرئاسي بوصفه قابضاً عليه، بات اليوم «مزروكاً» بفعل التحدّيات المتسارعة. وهي تحدّيات إذا اشتدت عليه قد تدفع به إلى إيجاد السبل الآيلة لوقف آلة «التعطيل المبرمج» التي يتولاها حليفه الجنرال ميشال عون، والذي لا بدّ له من أن يتنحى جانباً، ما يفتح الباب أمام البحث الجدّي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي برئيس توافقي، وهذا ما قد يتبلور في مطلع الأسبوع المقبل!