Site icon IMLebanon

حزب الله يُكمل دائرة الفراغ!

 

 

الخطيئة المميتة التي ارتكبها الرئيس ميشال سليمان بالنسبة إلى «حزب الملالي» في لبنان، انه انتفض للدولة على من «انتفض» عليها. انتصر للدستور على من أراد أن ينتصر عليه. ونظن ان رفض «الحزب» اعتبار الدولة مرجعية لقراراته ووجهة سلاحه، كما تريد أكثرية اللبنانيين، هو بالنسبة إليه يمس بمرجعيته الأساسية لإيران. فالرئيس سليمان، كأنه أول رئيس للجمهورية يحتضن الجمهورية وتحتضنه، في وجه من يريد الجمهورية بلا جمهورية، والرئيس بلا جمهورية، والجمهورية بلا رئيس، وهذا ليس مجازاً. فالجمهورية هي حاضنة «الجمهور» كله ومن المفترض انه ينتمي إليها، لا أن تنتمي إليه. فالجمهورية ليست «مصنوعة» لا للأحزاب ولا للطوائف، ولا المذاهب ولا المرشدين ولا الميليشيات ولا الجيوش فقط بل أن هذه كلها تتحرك من أجلها: وتبسيطاً نقول إن على الطائفة، كل طائفة أن تنتسب إلى الجمهورية وليس العكس. وهذا ما لا يريده إطلاقاً حزب خامنئي في لبنان. وكأنه يقول» لكم جمهوريتكم» ولي جمهوريتي. أي انه يعتبر كل ما يكوّن هذه الجمهورية. من مؤسسات ودستور ومواثيق وأعراف وجيش وقوى أمن وأمن عام ومجلس نواب… هي «ظواهر» موقته، أو على الأقل هي «أعراض» عابرة لا بد من أن يعاملها كشواذ أو كاستثناء. بمعنى آخر «جمهورية هذا الحزب ليست من «ملكوت» لبنان، بل من ملكوت آخر خارج لبنان، وهو وصيفها، أو وكيلها، أو عميلها على هذا الأساس تنطلق كل استراتيجيات الحزب، والتي هي في مراحلها المختلفة ترسم للبنان الفراغ. أي للبنان، تحت الوصايات، أي للبنان غير اللبناني، ولدولة غير الدولة.. أو فلنقل «اللادولة».

حزب الله هو حزب اللادولة، وهذا هو محور «جهاده» و«نضاله» وهذه هي «وجهة سلاحه» وسراياه. وميليشياته وتحالفاته وارتباطاته. وقد رُسم للحزب من وراء الحدود أو فلنقل من إيران، إلاّ أن يكون جزءاً من الدولة، بل أن تكون الدولة جزءاً منه. أي ان الدولة بدلاً من أن تكون جزءاً منه: أي هو الدولة، والدولة هو. وبمعنى آخر ان تكون الدولة جزءاً من الدولة الفارسية، بحيث تكون كانتونات الحزب هي الدويلة الدولة، والدولة اللبنانية هي الدولة- الدويلة. وقد ينزعج الحزب حتى من استخدامنا كلمة «الدولة» لأنه لا يستسيغها كثيراً ويفضل استبدالها بمصطلحه الحزبي المعلن أو غير المعلن بكلمة «الولاية» أي ولاية تابعة للجمهورية الإيرانية، أو للامبراطورية الشاهنشاهية «المقنعة» بالجمهورية الإسلامية! وشرعية «الولاية» اللبنانية محكومة بمرجعيتها الإيرانية. فهناك الشرعية وهنالك في ايران السلطة. والجيش ومجلس النواب وهنا في لبنان، مجرد ظلال واشباح تتحرك في فضاء من الفراغ والخضوع والخوف والغياب. فلنسمها دولة «الغياب» المقطورة بوصاية حاضرة راسخة بهيمنة الحزب. وكل ما من شأنه مواجهة هذا «الواقع» والحدود التي يرسمها من يرسم للحزب عقله وضميره ووجدانه وأسباب وجوده. وهذا بالذات ما شكل هذا التناقض مع شعارات 14 آذار: الدولة، لبنان أولاً، الجمهورية، النظام الديموقراطي، السيادة، الاستقلال.. الجيش الوطني، التاريخ، الجغرافيا: كل هذه «المعطيات» أو هذه المبادئ، أو أشكال التفكير يعتبرها حزب الله تدليساً لوجوده ومعاني وجوده. وهي تنزل عليه نزول «اللعنة» ذلك أن الحزب لم «يقاوم» في الجنوب العدو الاسرائيلي كُرمى لتحريره فقط ولا لتكريس حدود لبنان بل لجعل الحدود طحلبية جزءاً من حدود إيران، وجعل «التحرير» ورقة في يدها؛ وحزب الله لا يحتفظ بسلاحه اليوم، (وهو السلاح الذي حرّر به الجنوب) لاكمال مشواره التحريري، وانما لتغيير النظام… ولا لإرساء الديموقراطية بل لضربها. ولا لتقوية الدولة بل لتدميرها. ولا للمساهمة بتوفير حياة سياسية بل لاعدام كل حياة سياسية. انه حزب «7 أيار من الأبد إلى الأبد» يمارسه يومياً، بإيمان عميق وفي ايمان بنزوعه السادي والعدواني على الشرعية، وعلى مؤسساتها وعلى المجتمع المدني وخلفياته، وتنوعه وتعدده وحريته أو ليس هذا ما دأب عليه امام كل استحقاقاته: ألم يجعل مجلس النواب «مسرح ظلال» هيكلاً فارغاً: أي نواب بلا مجلس، ومجلساً بلا نواب، أقرب إلى مجالس البلدية، أو الاختيارية منه إلى مرجعية تشريعية عليا؟ أو سوبر ماركت يفتحه ويغلقه متى يشاء. أو فلنقل جعله «ملكية» خاصة له تماماً كما أراد ان تكون حكومة «القمصان السود»: حكومته، أو الأحرى متاعاً من أمتعته، أو أداة من أدواته يتحكم بها كما يتحكم به نظام ولاية الفقيه. وها هي رئاسة الجمهورية، التي يريدها الحزب (كما سبق ان ارادتها وجعلتها الوصايات المتعاقبة: النظام البعثي، واسرائيل مجوفة من كل شيء: الرئيس باش كاتب، أو موظف (كسائر الموظفين) عنده أي عند أوليائه وأربابه. أي رئيس بلا رئاسة. ورئاسة بلا رئيس. ويعني ذلك أن تكون الجمهورية بلا رأس. فهو يكره كل الرؤوس ما عدا رأسه. وإذا كان لا بد من رأس فليكن مستعاراً أو معاراً ومثال الحزب اميل لحود! ونموذجه «الأعلى» لأنه ليس الأعلى، بل الحزب يعلو عليه. ويعني كل ذلك الفراغ نفسه: ماذا يعني أن يكون مجلس النواب بلا دور؟ يريد رئيساً لا ينتخبه أحد. وإذا لم ينتخب مجلس النواب رئيساً ضمن الصراع السياسي القائم فمن ينتخبه: طبعاً الحزب. وهنا يطرح سؤال: اذا كان مجلس النواب لا يعبر عن إرادة اللبنانيين فعن أي ارادة يُعبِّر؟ وعلى هذا الأساس يتساءل اللبنانيون ولمَ الانتخابات النيابية إذا كانت لا تؤدي إلى وجود مجلس نواب لكل اللبنانيين؟ مجلس نواب لحزب الله! رائع! مجلس نواب ينتخبه اللبنانيون، ويصير «ملكية» حزبية أحادية؟ رائع! هذا هو الفراغ ان يظن حزب الله (ومعه ايران) انه هو الذي ينتخب مجلس النواب وليس العكس. تماماً كما كان يفكر الطغاة: فالطاغية هو الذي ينتخب الشعب، وليش الشعب هو من ينتخبه. وهذا ما يؤدي إلى ما يسمى «الحاكميات» أو ظاهرة «القائد» أو «المرشد» المرشد الإيراني هو الذي يختار الشعب الإيراني وليس العكس. وهو ينتخب رئيس الجمهورية وليس العكس. وهو يحكم بدلاً من رئيس الجمهورية والحكومة وليس العكس. وهو الدستور وهو القوانين وهو حامل وحده الحكومة: فالنظام الإيراني عائم على فراغ مدجج بالقمع والحرس الثوري والاستبداد. كل دكتاتورية مهما علا شأنها هي نوع من الفراغ . أو الجنون. أو اللاانسانية. أو «الألوهية» المفبركة! أو ليس هذا ما يريد حزب الله؟ والذين عاشوا الحروب المتتالية على لبنان بواسطة الميليشيات على امتداد عقود لا بد من أنهم يستقرئون عمق الخطر الذي ما زال يُمثله الحزب الذي ورث «ذهنية» هذه الميليشيات وأدوارها وعنفها وعمالتها ولم يشذ الحزب عن «رواده» الأبرار في الكانتونية والتقسيم والأحادية والارتهان إلا في حجم مشروعه. وإذا كانت الميليشيات السابقة أرادت ان تجعل من لبنان محميات خارجية مقسمة أي ان تجعله مجموعة ولايات محكومة بمن صنعها ومولها وزودها. سلاحاً فان الحزب وهذه هي «ملحمته» يريد ان يجعل كل لبنان ولاية ايرانية أي أكثر من مشروع كانتوني محدود ضمن حدود مذهبية. بل جعل العالم العربي وغير العربي (ارتباطاَ بأحلام بني فارس) مجموعة كانتونات متصارعة تؤدي إلى ضرب كياناتها، وهوياتها! مشروع الميليشيات السابقة متواضع بالنسبة إلى افق الحزب، محلي، وربما قروي أو «ضيعجي» ازاء «أممية» الحلم الايراني. وها هو السيد حسن يتحدث دائماً عن «الأمة» (بدون ان يسميها) ويقصد الأمة الايرانية على امتداد العالم العربي وأكثر! ولكي «تركب» هذه «الصياغات» والتشريحات لا بد من لقاء المشروع الصهيوني المتمثل باسرائيل الكبرى. أي لقاء مشروعين يتزاوجان للهيمنة على العالم العربي من موقع «تلاقي» الاضداد: وحزب الله يعرف (كما علمه اساتذته في ايران) ان هذه الاستراتيجية لكي تتحقق لا بد من ان تُعبّد بالفراغ. الفراغ القاسي. أو ما اصطلح على تسميته «الفوضى الخلاقة» أو «الفوضى» المدمرة. فالفراغ ينتج الفراغ. وهذا ما يسعى اليه الحزب. وعندما ينتج الفراغُ الفراغَ فيعني انه يُعيد انتاج الحزب في السلطة، وهي السلطة، المفرغة من تاريخها، اي من الجمهور الذي يصنع الجمهورية، أو ليس هذا ما يجري في العراق مثلاً: انتاج الفراغ الذي يوازي انتاج سلطة ايرانية في هذا القطر العربي؟ وما يجري في «اليمن» (الحوثيون هم حزب الله هناك دام عزهم!) واذا راجعنا مسالك الحزب منذ «تشريفه» إلى الحياة السياسية قبل عشر سنوات. نجد بوضوح «علامات» الفراغ التي يزرعها هنا وهناك، واوتادها ومهاويها وفخاخها بسلاحه! نجد بوضوح خططه «العدائية» لما يسمى «حركة الجمهورية» أو مكونات الجمهورية. ليدمرها بالجملة أو بالمفرق. يقرض الدولة شيئاً فشيئاً يزرع الفتن في كل منطقة أو دسكرة أو مدينة: من طرابلس إلى صيدا إلى بيروت إلى البقاع إلى الضاحية، فإلى الجنوب. فالفتن المذهبية التي يعرف الحزب كيف يشعلها (مدرباً تدريبياً عالياً من المخابرات الايرانية وهو نتاج هذه المخابرات وامتدادها) هي الطريق و«صراطه المستقيم» لاحداث فجوات عميقة بين مكونات الشعب اللبناني، تالياً في مؤسسات الدولة، أي استخدام الفتنة المذهبية «المسلحة» والعنف، في تسفيه دور كل هذه المؤسسات واظهار لا فاعليتها ولا جدواها ولا لزومها؛ أي تفريغ كل شيء مما يصنع حياة سياسية أو دولة حية أو قابلة للحياة. وهنا نستذكر محاولات الكيان الصهيوني لاعطاب قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» لأنه يريد شبه دولة أو شبه «كيان» فلسطيني معدوم الفاعلية، ازاء قوته العسكرية المتنامية، وأطماعه التوسعية. وقد تأثر الحزب بهذه «الذهنية» الاسرائيلية في نسف كل العناصر التي تصنع دولة فلسطينية سيادية، مستقلة، قابلة للاستمرار والتطور ذلك لأنه لا يريد دولتين: واحدة اسرائيلية وأخرى فلسطينية. بل أن محاولة العدو الصهيويني ارغام السلطة الفلسطينية على الاعتراف «بيهودية اسرائيل» يعني شلّ فلسطينيي اسرائيل ووضعهم على سكة دياسبورا جديدة. هذا ما تسعى إليه اسرائيل (نفذته في الجولان بتهويدها هذه الأرض العربية العزيزة على كل الناس ما عدا النظام السوري وحزب ايران!) وهذا ما يسعى اليه حزب الملالي واللوردات في لبنان: محاولة «مذهبية أحادية للدولة اللبنانية، واعطاب كل ما يجعلها قابلة للحياة. فالنظام فاسد! والجمهورية مكسورة، ومجلس النواب لزوم ما لا يلزم. والحكومة ملتبسة الدور ورئاسة الجمهورية بلا رأس. والجمهورية مجردة من كل مكوناتها. هذا هو الفراغ الذي يحاول حزب البارونات ان يرسخه في لبنان وهذا ما حققه منه الكثير بتواطؤ بعض الزعامات اللبنانية وبتغطية مسيحية وغير مسيحية خؤون. ونظن ان سياسة التفريغ لا تقتصر عند الحزب على الدولة كهيكل عمومي للمؤسسات بل للاحزاب والطوائف. كلها بجعلها بلا دور فاعل او بلا حضور، أو بلا أثر: عندما يشرذم الأحزاب القومية واليسارية والاجتماعية. وعندما يحاول استفراد بعض زعماء الطوائف (كالسنة والدروز والمسيحيين) وزرع الشقاق او تطويعهم. فلكي يُحدث فراغاً حوله: وعندما «ينظف بيئته نفسها من كل صوت معارض له، لجعلها كانتوتناً نقياً أحادياً قطيعياً… فلكي يستغل هذه الشرائح «المفرغة» من كل ارادة او فردية أو حتى انتماء لتكون ساحته أو منطلقاتها لتفريغ الطوائف والاحزاب والمجتمع نفسه من كل قابلية لممارسة حياة سياسية. فهو عندما يُفرغ كل شيء امامه يفرغ في الوقت نفسه بيئته المحضونه بالقمع. وهو عندما يستخدم القوة ضد الطوائف والاحزاب الأخرى (لتفريغها) فلكي يستخدمه بشكل اخبث وادهى في كانتونه. وكل كانتون هو حالة عدائية لنفسه وللآخرين. وهذا ما يريد الحزب للوصول الى تفريغ كل شيء. الى انتاج الفراغ. ولكن ينسى الحزب انه يتفريغه كل شيء: الدولة والطوائف والاحزاب، والجيش والقضاء انما كمن يلحس المبرد: يقع هو في الفراغ وحزب الله اليوم وتحديداً في الاستحقاق الرئاسي يحاول ان يستكمل تطبيق «هواجسه» (والهواجس فراغ!) بافراغ الرئاسة الأولى وافراغ الحكومة السلامية وافراغ مجلس النواب… والتشريع والقوانين والأمن والسياسة: صحيح ان الحزب هو منتج الفراغ الكبير لكنه عندما يصل الى قمته سيعرف انه على قدر ما انتج الفراغ حوله.. انتجه في داخله!

حزب الفراغ يتربع على أعلى القمة من الفراغ!

او ليس هذا ما آلت اليه الميليشيات التي سبقته وكانت مثاله الأعلى في الفراغ…؟

بول شاوول