Site icon IMLebanon

حصانا الرئاسة والانتخابات النيابية ينتظران العربة

يتعيّن مع الشهر المقبل ان يستوي استحقاقا الرئاسة والانتخابات النيابية في حال واحدة، هي ان كلاً منهما لن يبصر الطريق الصحيحة للخروج من المأزق الدستوري والسياسي. بالتأكيد يختلف امرار مخرج لاحدهما عن الآخر. لكن الحصيلة ان لا رئيس جديداً ولا مجلس نيابياً جديداً

لم يطل كثيراً الاعتقاد بتطابق غير مألوف بين موقفي الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اخيرا حيال استعدادهما الذهاب الى الانتخابات النيابية، بين 20 ايلول و20 تشرين الثاني، وان لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية، حتى سارع المحيطون بجعجع الى تبديد هذا التطابق بتمييز احد الموقفين عن الآخر. لم يعدُ الامر بين الرجلين، والمحيطين بهما على السواء، سوى سجال عادي يُقلّب صفحات تلو اخرى في استحقاقات متعاقبة يراد منه تأكيد استمرار الانقسام المسيحي.

وهما سيكونان قريبا امام استحقاق داهم آخر لا يسعهما الدوران من حوله، او التخلص منه او تأجيله، او مقاربته حتى على نحو مشابه لتعاطي كل منهما مع الاستحقاق الرئاسي.

وخلافا لما شاع عن موقع عون وجعجع من انتخابات الرئاسة المؤجلة الى امد غير معروف، من غير المستبعد ان تطول الى اكثر من نهاية ولاية مجلس النواب، فإن ايحاء الرجلين بأن كلا منهما يقود الفريق الذي ينتمي اليه في قوى 8 و14 آذار في توجيه الاستحقاق الرئاسي، يصبح بلا طائل على ابواب الانتخابات النيابية. اذ ثمة اسباب جوهرية ترتبط مباشرة بالانتخابات النيابية، تجعل من الصعب على اي فريق تجاهلها:

1 ــــ على طرف نقيض من رئيس الجمهورية عندما يشغر منصبه بالوفاة او الاستقالة او العجز عن ممارسة الحكم او انتهاء الولاية فتحل الحكومة محله موقتا وتنتقل اليها صلاحياته الدستورية كاملة، وعلى طرف نقيض من الحكومة عندما يستقيل رئيسها او تصبح عملا باحدى الحالات الخمس الاخرى في المادة 69 في حكم المستقيلة فتعمد الى تصريف الاعمال ريثما تخلفها حكومة اخرى من دون ان تفقد حقها في استخدام صلاحياتها كاملة في الظروف الاستثنائية، يقع مجلس النواب في المحظور.

ما ان تنقضي ولاية السنوات الاربع المنصوص عليها في قانون الانتخاب حتى يبطل وجوده الدستوري نهائيا، ويفقد اي صفة تتيح له البقاء لحظة، فيُطبق الفراغ على السلطة الاشتراعية تماما. ليس في الدستور نص يسمح للبرلمان بالاستمرار او تصريف الاعمال موقتا، الى حين يخلفه برلمان آخر. بل تنطبق عليه القاعدة نفسها على رئيس الجمهورية والهيئات المنتخبة المماثلة، بأن تحصر الولاية بمدة محددة تزول بمرورها شرعيته الدستورية.

في 31 ايار 2013 تفادى مجلس النواب خطر الفراغ بتمديد ولايته بقانون اصدره المجلس نفسه لسنة وخمسة اشهر. فعل ذلك ايضا ثماني مرات بين عامي 1976 و1990 بذريعة الحرب. بالتأكيد لم يؤخذ ايضا، في المقابل، على محمل الجدية كلام البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي عندما قال، لاسبوع خلا، انه كان يقتضي بقاء الرئيس ميشال سليمان في رئاسة الدولة الى حين انتخاب رئيس جديد. لم يجتهد البطريرك في الدستور، وفي المادة 49 تحديدا اذ تعيّن ولاية الرئيس اربع سنوات يغادر بعدها كأسلافه، الا انه رمى الى توجيه رسالة سياسية مفادها ان على قصر بعبدا ان لا يخلو في اي حال من قاطنه. لم يتلقف احد من الافرقاء البارزين رأي البطريرك: لا اولئك الذين يناوؤن الرئيس السابق ويستعجلون خروجه بعدما رفضوا اقتراح تمديد ولايته، ولا الذين يراهنون على انتخابهم خلفا له كعون وجعجع على الاقل، كل في انتظار الظروف الملائمة لوصوله.

واذا صحّ للبعض نعت خلو الرئاسة الاولى بشغور المنصب ما دامت الصلاحيات انتقلت الى هيئة دستورية اخرى طبقا للمادة 62، واقع الامر ان انتهاء ولاية المجلس دونما انتخاب آخر يخلفه يوقعه حقا في الفراغ الكامل.

2 ــــ على وفرة المواقف المعلنة لمعظم افرقاء 8 و14 آذار من رفض تمديد ولاية مجلس النواب والاصرار على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، يتعين عليهم ــــ كلما دنا موعد الاستحقاق وخصوصا منذ منتصف آب ــــ ان يتحدثوا بافراط عن ان تمديد الولاية يصبح المخرج الوحيد لتعويم الاستحقاق الداهم.

يبدون اليوم اكثر شغفا بإجراء مفاضلة بين انتخاب برلمان جديد والتمديد للبرلمان الحالي وينحازون حتما الى الخيار الاول، بما في ذلك اجراء الانتخابات وفق قانون الانتخاب النافذ المنبثق من تسوية الدوحة. على ابواب توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة منذ 20 آب، والاستعداد لدخول مهلة الشهرين التي تسبق انقضاء الولاية بين ايلول وتشرين الثاني، يمسي الجدل مختلفا ومربكا بين خيارين كلاهما لا يقل سوءا عن الآخر: التمديد او الفراغ. اذ ذاك لن يكون من الصعب ايجاد الحجج، السياسية قبل الدستورية، لتبرير الحاجة الملحة الى اجتماع الهيئة العامة للمجلس واقرار قانون تمديد الولاية، للمرة الثانية في اقل من سنة وخمسة اشهر.

3 ــــ ليس كافيا ان يقول عون وجعجع انهما يريدان الذهاب الى الانتخابات النيابية كي يقع الامر فعلا. لحليفيهما رأسي حربتي قوى 8 و14 آذار، الشيعي والسنّي، موقف مختلف تماما يسري منذ الآن في اوساطهما، هو ان البلاد آيلة حتما الى تمديد ولاية المجلس. كان ذلك موقفاهما في تمديد 2013، وتمكنا آنذاك من احداث سابقة تعطيل انعقاد المجلس الدستوري بامتناع اعضاء فيه عن حضور جلساته، للحؤول دون بتّ مراجعة طعن في قانون التمديد.

يتسلح الفريقان السنّي والشيعي اليوم بحجة مشتركة مبرّرة، وذات صدقية دستورية، هي ان انتخاب برلمان جديد يعني الاستقالة الحكمية لحكومة الرئيس تمام سلام بصفتيها مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. في غياب رئيس الدولة وتعثر انتخابه، ينشأ مأزق دستوري جديد، غير مسبوق خصوصا، هو سبل تطبيق المادة 53 المتعلقة باجراء استشارات نيابية ملزمة. والحال هذه لا يصح لحكومة اضحت مستقيلة، يناط بها مجتمعة اجراء الاستشارات الملزمة ومن ثمّ تسمية الرئيس المكلف للحكومة الجديدة.

وخلافا لما يشير اليه عون وجعجع، وهو استعدادهما خوض الانتخابات بناء على تقديرات مبكرة يوحي كل منهما بها بأنه الاقوى في الشارع المسيحي، كي يستحق رئاسة الجمهورية، تبدو حسابات الفريقين السنّي والشيعي مختلفة كليا، وفي واد آخر. لا يبحثان في المقاعد مقدار اهتمامهما بمآل موازين القوى الاقليمية: لسان حال الرئيس سعد الحريري اذ يترقب مصير الصراع السعودي ــــ الايراني على العراق وسوريا، والحملة العسكرية لحزب الله في سوريا بأن جعلته طرفا رئيسيا في النزاعات الاقليمية على نحو لم يعد من السهولة بمكان انسحابه منها في اي وقت.

بيد ان لحسابات الزعيمين المارونيين منحى مغايرا هو مصير مقاعد يمنحهما اياها الحليفان السنّي والشيعي ولا تنتزعها شعبية احدهما كما الآخر: زحلة والكورة والدائرة الاولى من بيروت والشوف للقوات اللبنانية، وبعبدا وجزين وجبيل للتيار الوطني الحر.