Site icon IMLebanon

حقبة ما بعد المالكي: إسقاط حدود «داعش»؟

قراءة في أسباب الفشل بعد 8 سنوات من الأداء الديكتاتوري.. وتلطيف الهزيمة الإيرانية

 حقبة ما بعد المالكي: إسقاط حدود «داعش»؟

5 عوامل في الوصفة الإنقاذية تشكّل التحدّي الأكبر للعبادي

يأتي تكليف الرئيس العراقي فؤاد معصوم للقيادي في حزب الدعوة، النائب الأول لرئيس مجلس النواب حيدر العبّادي، ليشكّل بداية النور في نفق العراق المُظلم. تتمثل البداية بإزاحة نوري المالكي عن السلطة التي تولاها على مدى ثماني سنوات في ولايتين لرئاسة للحكومة، واستماتة لولاية ثالثة لم يُسلّم إلا ليل أمس بخسارته  إياها، بعد الرفض الذي واجهه من مختلف المكوّنات العراقية، ولا سيما من داخل البيت الشيعي ومن اللاعبين الدوليين، وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية، وسط إجماع على تحميله مسؤولية أساسية في ما وصل إليه العراق نتيجة استئثاره بالسلطة وتطييفه المؤسسات وتهميشه الأفرقاء العراقيين في العملية السياسية، وممارسة أفظع عمليات القمع والتنكيل والقتل والإجرام والإخضاع للسنّة ومناطقهم تماهى فيها مع حقبة نظام صدام حسين وما مارسه من عمليات إجرامية بحق الشيعة آنذاك، حتى بات يُوصَف بـ «الديكتاتور الصغير».

فأهمية انتهاء حقبة المالكي تندرج، في بُعدها الأول، بفشله الذريع في إدارة البلاد التي انتهت إلى ضرب كل مقومات الدولة والمؤسسات واستشراء الفساد ونهب الثروات الوطنية وتفسّخ المجتمع العراقي، بما يشكل إخفاقاً كبيراً للفرصة التي أتيحت لشيعة العراق في تولي مقاليد الحكم بعد عقود من الاضطهاد والتهميش، قبل أن تندرج في بعدها الثاني بتلقي المشروع الإيراني ضربة موجعة دفعت بطهران إلى التسليم بورقة المالكي الذي استثمرت فيه ودعمته حتى الرَمَق الأخير، قبل أن تجد نفسها في موقع المضطر إلى تجرّع سمّ التخلي عنه، ولا سيما أنها كانت تنظر إلى أنّ إزاحة المالكي، التي أضحت مطلباً داخلياً وعربياً ودولياً، تشكّل هزيمة سياسية لها.

وفي رأي مطّلعبن على الشأن العراقي، فإن تكليف العبادي يشكل تجميلاً لهزيمة إيران. فالرجل يتنمي إلى حزب الدعوة، لكنه يحمل في تركيبته الشخصية عقلاً مرناً منفتحاً ومتقدماً، ويأتي من بيئة متعلمة، إذ كان والده من كبار الأطباء العرب وله إنجازات علمية، فضلاً عن أن سيرة الرجل تؤهله كي يشكّل الركيزة الثالثة المُنتظرَة في مثلث التركيبة العراقية لتتكامل مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري في مهمة إنقاذ العراق وإعادة إرساء أسس الثقة بين المكوّنات العراقية، وبناء الدولة ومؤسساتها عبر إطلاق العملية السياسية على مرتكزات وأسس صحيحة تُعالج مكامن الخلل التي اعترت التجربة السابقة.

وما يُعزز حظوظ الرجل في لملمة الوضع وتداعياته، حسب عارفيه، واقعيته السياسية وقدرته على صوغ تفاهمات تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى إعادة حيز كبير من التوازن إلى العلاقات مع دول الجوار والعمق العربي للعراق بعد سقوطه في فلك المنظومة الإيرانية عقب الغزو الأميركي، وتسليم واشنطن للنفوذ الإيراني فيه.

على أن التحدّي الأساسي الذي سيواجهه العبادي يتمثل في نجاحه بتأليف حكومة وفاق وطني شامل. وهي مهمة لا بد من أن ترتكز على عوامل خمسة تتساوى في أهميتها وتُشكّل الوصفة الإنقاذية، وهي اعتبار أن وحدة العراق هي الأساس، وإعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية وصلاحياتها والعلاقة في ما بينها، ولجم اندفاعة المكوّن الشيعي في الحقائب الوزارية والإمساك بمفاصل البلاد الذي تحوّل إلى استئثار بالسلطة، واستقطاب الاعتدال السنّي عبر مشاركة وازنة في العملية السياسية، وضبط العلاقة مع المكوّن الكردي الذي يحظى بحكم ذاتي، حيث شهدت العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية الكثير من التجاذب والإشكالات.

تلك العوامل، إذا ما تحققت، من شأنها أن تنجح في صوغ استراتيجية ناجعة، توحّد العراق حكومة وأجهزة أمنية وعسكرية واحتضاناً شعبياً، وتلقى دعماً عربياً وغربياً في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي يسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، ذلك أن إيلاء مواجهة «داعش» الأولوية من دون توفير مقومات الوحدة الداخلية واطمئنان المكوّنات العراقية، ولا سيما السنّة، إلى مستقبل الدولة سوف يوؤل إلى الفشل، ذلك أن هؤلاء لن يكرروا التجربة السابقة. فيوم وجد «تنظيم القاعدة» بيئة حاضنة في الوسط السنّي بعد الغزو الأميركي والإطاحة بصدام حسين وإعدامه وحل الجيش واجتثاث البعث، الذي كان الهدف منه إقصاء السنّة ومعاقبتهم، وشهد العراق فصلاً من فصول الصراع المذهبي المدمّر، تولت الصحوات من أبناء العشائر دحر التنظيمات المتشددة والقضاء على «تنظيم القاعدة»، وحين أنجزوا المهمة وتراجع خطر  «تنظيم القاعدة» انقلب المالكي على الصحوات وضربهم في عقر دارهم. وهذا ما دفع بالمحافظات السنية، التي انتفضت على المالكي في العاشر من حزيران، إلى تلاقي مصالحه أبنائه وعشائرها مع مصالح «تنظيم داعش» في المرحلة الراهنة. وبالتالي، فإن إعادة دحر «تنظيم داعش» يتطلب خارطة طريق واضحة المعالم تحقق الشراكة الفعلية وتصون التعددية السياسية ومنطق الدولة والإنماء المتوازن وتوزيع الثروات، فضلاً عن إعادة العراق إلى الحظيرة العربية والتوازن إلى علاقاته مع دول الجوار.

وإذا كان التأييد الواسع الذي حظي به العبادي، يُشكّل قوة دفع داخلية وعربية ودولية لمهمته، ساهم في توفرها تلاقي مصالح غالبية الدول على خطر الدولة الإسلامية الآخذة بالتمدّد في العراق وسوريا، والقناعة بأن القضاء عليها لن يستقيم من دون توحّد العراقيين، فانه يُشكّل، في رأي المتابعين، بداية لإعادة الاعتبار إلى الحدود المرسومة بين الدول، ذلك أن مصالحها تقضي بعدم العبث بتلك الحدود، لما لذلك من تأثيرات وحسابات في الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يحتم إسقاط «دولة داعش» والحفاظ على الخرائط المرسومة والمعلومة؟!