Site icon IMLebanon

حين يصبح «الأرثوذكسي» ناظم العلاقة بين الحريري وجعجع

بإمكان الاتحاد اللبناني لكرة السلة أن يعالج الخلاف المزمن بين رفاق اللعبة وجمهوريهما. أما التوتر الدفين في نفوس المتحمسين للكرة، والذي لا يرتبط لا بالملعب ولا بأبطاله.. وإنما بفيروسات أخرى فتصعب معالجته.

يعرف القيمون على الناديين أن التشنج المتنقل بين المدرجات ليس سوى مرآة لشيء ما يحصل في مكان آخر: على مدرجات السياسة تحديداً. بين معراب وبيت الوسط بشكل أدق.

البعض اعتبر التدخّل السريع لمناصري الفريق الأخضر بمثابة رسالة تحذير مذيلة بتوقيع قواتي، تتّوج عصر التوترات المستجد بين الحليفين، بعدما تعرّض هيكل الثقة لأكثر من خضّة متبادلة، فيما اكتفى بعض البراغماتيين بوصف الإشكالات على أنّها تتمة طبيعية ونتيجة حتمية للصراع الخفيّ.

طبعاً، من السذاجة توصيف العلاقة بين سعد الحريري وسمير جعجع بأنّها في أحسن حالها، كما من المبالغة تصويرها على أنّها على شفير الطلاق أو الانهيار. الصحيح هو أن تراكمات السنوات الأخيرة أحدثت ثقوباً في جدار الثقة، تجلت في الكثير من المحطات المشتركة خللاً في التنسيق والتواصل… حتى تحوّل مسرح التحالف إلى حلبة لعرض العضلات، أو سباقاً لتسجيل الانتصارات الفردية.

سيكون من العبث المرور على النزاع الذي وقع بين نهاد المشنوق كوزير للداخلية و«القوات» على خلفية تشكيلات قوى الأمن الداخلي، مرور الكرام. الاعتبارات الأمنية ليست هي التي أملت على قيادة معراب أن تجعل من «حبّة» المناقلات في حديقتها الخلفية الكسروانية، «قبّة». المسألة أهم من ذلك.

النفوذ القواتي

إنّه النفوذ القواتي داخل «14 آذار». راصدو حراك سمير جعجع خلال الفترة الأخيرة يدركون جيداً أنّ ما يقوم به الرجل له استثمارات كثيرة في السياسة، أولها وأهمها موقعه على رقعة الحلفاء.

لم يتقصّد المشنوق هذه المواجهة غير المباشرة مع صديقه «الحكيم»، لكنه أيضاً لم يراجع أياً من المرجعيات السياسية حين قام بتشكيل أكثر من 45 ضابطاً. وما حصل بالنسبة لوزير الداخلية لم يكن أكثر من سوء تفاهم. ولكن بالنسبة لمعراب، كانت المسألة أبعد من خارطة مخافر المنطقة.

فهم «الحريريون» من تضخيم ملف المناقلات، بشقّه الكسرواني، أنّ في رأس جعجع موالا آخر، بدليل أنّ النسخة الأخيرة للتسوية هي نفسها النسخة الأولى التي كانت مرفوضة من جانب القيادة القواتية، ثم عادت وأومأت رأسها نزولاً تأييداً لها. سمير جعجع يتصرف على أنه الآمر الناهي لـ«المجتمع المسيحي» في «14 آذار».

بتعبير آخر، هو يطبّق قانون «اللقاء الأرثوذكسي» واقعاً لا كلاماً، في السياسة والأمن، ولاحقاً في الإدارة وفي النيابة، من دون أن يكون للمشروع مسوغ قانوني. صحيح أنّه انسلّ من عجينته في اللحظات الأخيرة، لكنه يتصرف اليوم على أن «القانون الأرثوذكسي» هو ناظم العلاقة بينه وبين حلفائه، وتحديداً «المستقبل».

بتوصيف آخر، يقول جعجع: «أنا ملك ملوك مسيحيي 14 آذار، وأنا صاحب الكلمة والأخيرة بكل ما له صلة بهم، سواء في الإدارة أم في الأمن، في السياسة… ولاحقاً في النيابة».

باعتقاد بعض عارفيه أنّ الرجل يحاول «تقريش» ما جناه في معركة الرئاسة التي لا تزال مفتوحة، في أماكن أخرى، إلى جانب الاستثمارات التي يقطفها في «الاستحقاق الذهبي». سيطالب غداً بأن يكون «الوكيل الحصري»، أو الأول، للتعيينات الإدارية في الفريق المسيحي الآذاري، قبل أن يبدأ كباش الحصص النيابية… عندها يمكن توقع كل شيء…

جردة حساب العلاقة

وفق جردة الحسابات بين الحليفين، يتبيّن أنّ أولى حلقات أزمة الثقة المتبادلة كانت مع «السين ـ سين» (سوريا والسعودية) التي شكك جعجع بوجودها إلى أن تأكد أنّ مياهها تجري من تحت رجليه من دون أن يدري. ثم حطت أزمة «القانون الأرثوذكسي» برحالها والتي كانت بمثابة صدمة للجمهور «المستقبلي» الذي شعر بأنّ «القوات» تستغني بـ«شحطة» قلم عن خدماته التصويتية، مع أنّ الرجل كان حريرياً أكثر من الحريري وحاملاً لثوابت هذا الشارع ومبادئه، أكثر من «ولي الدم».

إلى أن وقعت صاعقة العلاقة مع ميشال عون على رأس سمير جعجع. سأل عنها مراراً وتكراراً بالمباشر وبالمواربة، لكنه كان يواجه بالنفي، حتى كُشف المستور وانجلت غيوم الالتباس وتبيّن أن التنسيق جارٍ على قدم وساق، وما من شيء يعطلّه.

وبين هذه المحطات، لم تُمح بعد آثار الانتخابات النيابية التي تُحمّل فيها «القوات» حلفاءها الحريريين مسؤولية التحجيم العددي للنواب، مع أنّ هذه المشكلة متعددة الطرف ويدخل فيها مسيحيو «14 آذار» شريكاً مضارباً لا يقلّون قساوة عن بيت الوسط.

هكذا يصبح من السهل فهم أداء جعجع الانفرادي في إدارة ملف الانتخابات الرئاسية. فهو تقدّم بترشيحه من دون تفاهم مسبق مع أي من حلفائه، أو بالحد الأدنى يضعهم في أجواء الخطوة، مفترضاً أنّ شركاءه يرفضون هذا الترشيح، ومن ثمّ راح يفرض ترشيحه جلسة تلو الأخرى مقفلاً الباب على أي ترشيحات أخرى، إلى أنّ تقدّم بمبادرته من دون أن يراجع أيضاً أياً من رفاق الدرب التحالفي.

إدارة ملف الرئاسة

من الواضح أنّ الرجل يحاول إدارة ملف الرئاسة داخل «14 آذار»، من خلال اعتماد أسلوب «تصفية الترشيحات» Elimination. إذ خطط لقطع الطريق أمام خصمه التاريخي ميشال عون، وهو اليوم يحاول أن يخرج مسيحيي «14 آذار» من السباق من خلال تزكية «لائحة بكركي» كما سماها، وفي باله السعي إلى تكريس معراب معبراً إلزامياً لخليفة ميشال سليمان.

وهناك من يعتقد أنّ أسهم سمير جعجع لدى الجمهور السنيّ، بسبب موقفه من سلاح «حزب الله»، هي التي تدفع به إلى ممارسة سياسة الدلال والغنج على «القيادة الزرقاء»، وتزيده عناداً.

ومع كل هذه التراكمات لا تزال قنوات الاتصال ناشطة بينه وبين «المستقبل» من خلال فؤاد السنيورة، غطاس خوري ونادر الحريري. حتى اللقاء مع سعد الحريري لم يكن سلبياً، مع أنّ الأخير قال له بشكل واضح إنّه لا يضع فيتو على أي من الترشيحات، بما فيه ترشيح الجنرال.

في خضمّ هذا النزاع الخفيّ بين الحليفين، سيصير الحديث عن بعض مظاهر عرض العضلات الشكلية، من باب تأكيد المؤكد ليس أكثر. هكذا لم يهضم الحريريون يافطات سمير جعجع «صاحب المبدأ»، وكأن المقصود بها هم الحلفاء قبل الخصوم. وهكذا يُفهم التهكّم من جانب «الزرق» على غلاف مجلة «المسيرة» في طبعتها الجديدة التي عنونتها «العهد الجديد»، وكأنّ المقصود عهد رئاسي جديد، أو العهد الجديد من «انجيل جعجع».

كلام ما كان ليسمع في حلقات «المستقبليين» حين كان سمير جعجع حليف السراء والضراء، وصار يتردد على أكثر من لسان، حين صار الرجل شريكاً مضارباً. مع ذلك، فإنّ ما يجمع بين معراب وبيت الوسط لا يزال أقوى من أن تهزه رياح التشكيك والمصالح المتضاربة.