نجد أنفسنا ونحن نتأمل في الحُلْم الذي يعيشه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،نستحضر الحُلْم الذي عاشه الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كلاهما وفي المرحلة التي سبقت الترؤس كانا يحلمان بوطن مزدهر تسود فيه العدالة وتكون القوة فيه للدولة.
جاء رفيق الحريري إلى وطنه الأول الممزق المنهار المتكالَب عليه من أحزاب وميليشيات وتعصف به أعاصير المذهبية، من وطنه الثاني المملكة العربية السعودية التي حقق فيها نجاحات في مضمار الأعمال مقاولاً من النوع الذي تُبهر إنجازاته أهل الحكم في المملكة.ولأنه عاش في الوطن الثاني تجربة الحْكم المستقر والشعب المؤمن بوحدته الحريص على كيانه وعلى مكتسبات تحققت في زمن التأسيس الأول وأورثها الملك المؤسس عبدالعزيز إلى الأبناء فإلى جيل التأسيس الثاني الذي تلوح في الأفق معالمه في أشخاص النخبة الجديرة بتسلُّم المسؤولية وحفْظ الأمانة من بين الأحفاد،فإن رفيق الحريري بدأ منذ أن تسلَّم مقاليد الرئاسة الثانية يعمل على عدة خطوط أبرزها الترميم لأن الخراب كبير وكثير ثم إستبدال ثقافة الصراعات المذهبية بوحدة حال تتآلف في ظلها القلوب. وأما مسألة النهوض الإقتصادي والعمراني ومستلزمات هذا النهوض فإنها كانت البند الذي أعطاه رفيق الحريري الكثير من الجهد والمتابعة حيث باتت العاصمة على طريق أن تكون جميلة عواصم الأمة ما دام وجهِها الذي لطَّخته سنوات الإحتراب والتدخلات الخارجية بات على درجة من البهاء.ثم يقرر الحريري أن يكون النهوض وإعادة البناء والتطور شاملاً فلا تبقى العشوائيات ندبة في الوجه الجديد للعاصمة،كما يقرر أن يكون لبنان من حيث المقومات المكان الأفضل للسياحة والإستثمار والتجارة الحرة وبأفضل مما باتت عليه إمارة دبي التي كان شيخها رئيس وزراء دولة الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم يقول للحريري عندما يلتقيه،وهذا من قبل أن يترأس الحريري بسنوات،إنه يحلُم بأن تكون أسواق دبي بمثل ما هو عليه شارع الحمرا في بيروت،وطبعاً قبل الخراب الذي بدأ بالشرارة المتمثلة بحادثة بوسطة عين الرمانة يوم الأحد 13 نيسان 1975 ثم إنتهت أبشع حرب ومخطط تدمير للوطن.فلنتأمل ثم نتعظ، كيف أصبحت دبي خلال خمس عشرة سنة أمثولة في الإزدهار وكيف إنتهى لبنان مخطوف الإستقرار والإزدهار!
ولأن الأعمال بالنيات،وأن نفس رفيق الحريري ممتلئة نيات طيبة تجاه وطنه فإنه بدأ تنفيذ الحُلْم منذ توليه المنصب رئيساً للحكومة وتشكيله الحكومة الأولى يوم السبت 31 تشرين الأول 1992 مراعياً أن يكون عدد أعضائها بالنسبة إلى السُنَّة والشيعة والموارنة متساوياً أي ستة وزراء لكل طائفة.ولقد أحدثت التشكلية إرتياحاً ملحوظاً على رغم أنها كانت السبب في تحفظات عليها من جانب رئيس البرلمان نبيه بري لأن الحريري لم يفاتحه بها مكتفياً بمفاتحة رئيس الجمهورية الياس الهراوي.إلاَّ أن حنكة الحريري التي إقتبسها من حنكة أصدقائه وداعميه أهل الحكم السعودي وتفهُّم بري لهذه الخصوصية وكذلك لأن سياسة المصالح المشتركة تفرض أحياناً على مَن يتحفظ أو يعتب أن يعيد النظر في العتاب وفي التحفظ،جعلت الأمور لاحقاً صافي… يا لبن.
طوال سنوات ترؤسه الحكومة كان رفيق الحريري مسكوناُ ببنود الحُلْم الذي يعيشه. سعيداً بالذي أنجزه حيث بدأ الوطن يأخذ مكانه على خارطة الدول الناهضة بعد حروب،منطلقاً إلى بقية البنود ومنها على سبيل المثال لا الحصر قصر المؤتمرات وتحديث الضواحي في حال إقتنع أولو الأمر بمبدأ التطوير.وأما الحُلْم الشاغل باله فإنه العيش المشترك وليس التعايش والولاء للوطن وحماية الوجه العربي للبنان وإستقلالية القرار.ولأن مثل هذه البنود بالذات خط أحمر في لبنان المتبعثِر الإرادة والقرار غيرالمستقل،فإن رفيق الحريري قضى شهيداً تاركاً لبنان من بعده وطناً للكوابيس ومنها أن لبنان من دون رئيس جمهورية لأن أصحاب الحق أي الموارنة منقسمون ولأن أحد رموز أقطاب الطائفة سليمان فرنجية الحفيد يرى في أحدث تصريحاته «إن المطلوب رئيس يمثِّل ويستطيع أن يحكم ولا نريد رئيساً كميشال سليمان.ثم إنه لا رئيس في لبنان لا يكون الرئيس بشَّار الأسد غير راض ٍعنه…».
هذا الذي عاشه رفيق الحريري يعيشه منذ يوم الأحد 9 حزيران 2014 عبدالفتاح السيسي الذي بات رئيساً لمصر محاطاً بتعاطف شعبي غير مسبوق من النوع الذي حظي به رفيق الحريري.ونقول ذلك على أساس أن الإثنيْن من جيل واحد يكبر الحريري بحوالى عشر سنين عبدالفتاح السيسي.كلاهما عصامي وصاحب مبدئية ومؤمن ومن عائلة متوسطة الحال وغير سياسية.وكلاهما يرى أن الدور العربي لبلده هو الأساس.تجربة الحريري في مجال الأعمال والمقاولات كان يحتاجها لبنان نتيجة الدمار الذي لحق به ولقد إستعملها كورقة.وتجربة السيسي في العمل العسكري كانت تحتاجها مصر التي توارى الحزم عن المسؤولين فيها وبات المجتمع على أهبة الإنهيار والدولة على أهبة التبعثْر بسبب فقدان الأمن وإتساع ظاهرة الإغتيالات التي تستهدف بشكل خاص أفراد الجيش والشرطة وإحراق الجامعات والمكتبات وإغتيال السياح الأجانب والمباشرة بتدمير النُصب التاريخية بدءاً بالصامت الأكبر أبو الهول.وأما التغيير الممنهَج للشخصية المصرية فإنه وصل إلى حد أن مصر الأجداد ثم مصر الآباء وهي مصر الزاهية والبعيدة عن العنف والمتطورة بالتدرج ومصر الأزهر ومصر الآثار والتراث…مصر هذه ستنقلب إلى مصر ليست موضع إرتياح المصري والعربي والأجنبي.
الحريري برؤيته وبساعده المالي قرر أن يبذل السعي لكي يقوم الوطن من وهدته.والسيسي بتربيته كعسكري رأى أن يوظف ورقة سلطته كوزير للدفاع وقائد للجيش وبذلكيضع حداً للظاهرة التي تستهدف إستيلاد مصر بطبعة غير التي يجب أن تكون عليها وفي الوقت نفسه يضع موضع التنفيذ بنود أجندة أحلامه التي تبدأ بتقليص عدد الفقراء وإستنهاض هِمَم الشباب وإستعادة الدور المصري الذي كاد أن يتلاشى وتنظيف وجه مصر من شوائب إلتصقت بالوجه الجميل فبات ليس ذلك الذي عرفناه .ثم قال الكلمة الفصل وهي أن أمن مصر من أمن أمته العربية.
من هنا نخشى أن يصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي ما أصاب الرئيس رفيق الحريري بحيث يدفع ثمن شعار«تحيا مصر» الذي رفعه ومن أجله إلتف الناس حوله وهو توأم شعار «لبنان أولاً»الذي رفعه الرئيس رفيق الحريري فكان إستشهاده ومن أجل ذلك نترحم عليه حتى الآن وسنبقى دائماً وبالذات في أيام الشهر الفضيل رمضان نترحم ونذكر مآثره بالخير وسعيه المخلص.
** تغيب مقالة الزميل فؤاد مطر بداعي الإجازة خلال شهر الصوم المبارك أعاده الله على الجميع وقد إستعاد الوطن حُلْم الإستقرار.