انتهى زمن الوساطات واللقاءات والمفاوضات السرية في عواصم تعرف كيف تكتم السر بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الاسلامية في ايران. لم يعد الطرفان بحاجة الى الكتمان. أصبحت اللقاءات علنية، وعلى مستوى ويليام بيرنز وكيل وزير الخارجية وويندي شيرمان المفاوضة الأميركية في مجموعة «الخمسة زائداً واحداً« وجاك سوليران مستشار المساعد الرئيسي لشؤون الأمن القومي، من جهة ومساعد وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي ومجيد تخت راونجي. المهم انه يشكل حدثاً سياسياً ضخماً، وخطوة كبيرة باتجاه تطورات وتحولات سياسية استراتيجية كبيرة. ليس بالضرورة ان تكون المفاوضات حاسمة لكن من الطبيعي أنها ليست محصورة في الملف النووي، وهي لا شك ستتناول الملفات الشائكة المشتعلة منها أو الباردة. طهران أكدت مراراً أنها قادرة على المشاركة بالحلول، أي بحسب القاعدة الأولى للمفاوضات، وهي: العرض والطلب.
الإيرانيون لا يحبون الثرثرة حول ما يريدون وما سيقدمون، لكنهم يتركون لـ«بيادقهم» شرف الثرثرة والإشادة وإعلان الانتصارات وتقديم كل ذلك بأن الأميركيين ضعفاء ويخافون من الهزيمة ومستعدون لتقديم كل ما يلزم لكي تعفو إيران عنهم وتسمح لهم بالبقاء في المنطقة. أما في الواقع، فإن أي مفاوضات تعني تبادل التقديمات والتنازلات للتوصل الى اتفاق نهائي. لا شك أن إيران حالياً قوية وتملك حضوراً فاعلاً ومؤثراً في العديد من الملفات في الشرق الأوسط، لكن أيضاً ما زالت الولايات المتحدة الأميركية أقوى قوة في العالم، وهي قادرة على تغيير قواعد اللعبة في اللحظة التي ترى فيه قيادتها أن تناولها لإدارة العالم أصبح يشكل خطراً عليها. أيضاً يجب ألا يغيب عن ذهن أحد، والإيرانيون أكثر العارفين، أنه لا مجال للمقارنة بين قوتهم وقوة الأميركيين.
أمام هذا الواقع، فإن كل ما ستأخذه من موقع في الشرق الأوسط سيبقى تحت «السقف» الأميركي. الإيرانيون يعرفون جيداً كيف يراعون ببراعة في حركتهم خطوط التماس المرسومة، فقد نجحوا طوال عشر سنوات في تجنب الضربة الأميركية وفي فصل الرغبات الإسرائيلية عن القرار الأميركي. لكنهم أيضاً تعاونوا في أفغانستان مع الأميركيين وحتى في العراق بما يخدم الحاجات الأميركية. كل ذلك جرى في ظلال «الشيطان الأكبر». بهذا لا يقل الإيرانيون براغماتية عن الأميركيين، والقاعدة الأولى للبراغماتية: «صرف النظر عن المبادئ والضرورات المقترحة والتوجه الى الوقائع والنتائج».
في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات فيينا، تجري مفاوضات من نوع آخر في تركيا. الرئيس حسن روحاني، التقى كلاًّ من الرئيس غول ورئيس الوزراء أردوغان. تلقى روحاني دعماً تركياً علنياً لبلاده في الملف النووي، أثناء المفاوضات مع الأميركيين ويستعد للمفاوضات مع مجموعة «الخمسة زائداً واحداً«. لكن يبقى الأهم وهو ترك الخلاف حول سوريا خارج عملية بناء علاقات استراتيجية تتضمن رفع التبادل التجاري الى ثلاثين مليار دولار، والعمل على بناء سكة حديد تمر بمنطقة بازركان، والتحضير لمشروع ضخم يوصل الخليج العربي وبحر عمان بالبحر الأسود والبحر المتوسط. أما عقدة تخفيض سعر الغاز الايراني كما تطلب تركيا فلم تحل بعد، ربما لان طهران تريد ثمناً كبيراً في ملف آخر.
في نهاية لقاء المرشد آية الله علي خامنئي مع الباحثين الإيرانيين أمس قال: «نحن قادرون»… أيضاً الرئيس باراك أوباما قال من البداية: «نحن قادرون«… البداية من هنا.. والسؤال، على ماذا؟