فخامة الرئيس ميشال سليمان،
شرّفني إتصالك الهاتفي الذي أعربت لي فيه مشكورا عن تقديرك لبعض ما كتبته بتاريخ 22/5/2014، حيث أكدت فيما كتبت على مواقفك المشرفة التي تبلورت وتطورت على مدى السنوات الأخيرة من حكمكَ، وحيث إرتقيت بتلك المواقف إلى مصاف القادة الكبار ورجال الدولة المتميزين بوطنيتهم وأفقهم الواسع وإيمانهم العميق بهـذا الوطن العريق والمتجذر في أرض صلبة، وجودا ِوصمودا واستمرارا وديمومة.
شكرا لك، ولما قدمته لبلادك ولما وضعته من أسس ومقاييس ومعايير، أصبحت مستقرة في مقام القواعد الثابتة والنهج القويم، كما أصبحت بمثابة خارطة طريق للحاضر والمستقبل، ونموذجا للحكم والحاكم، سيصعب على من يخلفك في السدّة الرئاسية أن يحيد عنها وأن يغير في اتجاهاتها الصائبة والحكيمة.
إن السنوات الست التي أمضيتها في الحكم، قد باشرتها في إطار من المصاعب الجمّة. لقد جئت للرئاسة بعد أشهر طويلة من فراغ رئاسي تلا هجمـة شرسة واحتلالا ممنهجا للعاصمة بيروت في سابقـة تحولت فيها المقاومة ضد اسرائيل، إلى مقاومة وتعرض مسلح لبيروت والجبل ولأهلهما وسكانهما المسالمين، فدفعت البلاد ثمنا غاليـا لممارساتها وتجاوزاتها، وانتقلت المقاومة من الحدود الجنوبية إلى صلب العاصمة وقلب الجبل، بل تعدتهما بالانتقال إلى عواصم أخرى وبلدان قريبة وبعيدة، وإذا كانت بدايات كل رئيس تنطلق هينة لينة، فقد بدأت مرحلة حكمك محاطة بالعواصف القاسية، وجملة من المصاعب بعضها كان طبيعيا وبعضها مفتعلا. ومن القواعد المعروفة في دنيا رئاسات الجمهورية أن الرؤساء يبدأون عهدهم أقوياء شديدي التمكن من مقاليد الحكم وتسيير شؤون البلاد، لينتهي عهد كل منهم بوضع يتراجع في قوته وفي أثره وفعاليته، وبالرغم من المصاعب التي صادفتك في أيام عهدك الأولى، فإنك قد قلبت القاعدة، وكان حكمك يقوى ويشتد كلما مرت الأيام والأشهر والسنوات، وكان العامان الأخيران من ابرز وأصلب وأقوى أيام ولايتك. لقد أفلحت في أن ترتقي من مرتبة رئيس جمهورية وصل إلى الحكم نتيجة لأوضاع إستثنائية حرجة حملته إلى كرسي الرئاسة، ليعلو منها، إلى مرتبة رئيس حقيقي للبلاد، طائل وقادر وفاعل، حريص على الميثاق وعلى الدستور وعلى مبادئ النهج الديمقراطي، متمسك بجذور الوطن وأسس الدولة وسيادتهما على هذه الأرض الحرة وأبنائها الأحرار، الرافض للإنتهاكات الداخلية والخارجية، ولتحكم سلاح المبادئ المستوردة بالوطن والمواطنين، وفرض إرادة التنظيمات المسلحة المتمازجة تماما مع إرادات وقيادات وتوجهات الدول الغريبة المتمنطقة بسلاح غريب وبأموال غريبة إلى جانب استجلاب ايديولوجيات ذات طابع فئوي لا يتفق بمبادئه مع مبادئ وتوجهات الغالبية من أبناء هذا البلد، متعدد الطوائف والمذاهب والتوجهات، الحريصة على سلامة عيشها المشترك، وأساليب حياتها المنفتحة على كل المواقع والثقافات والحضارات، المتمسكة بحرية المعتقد التي اعتمدها دستورهم ووصلت إليها قناعاتهم الرافضة بكل حزم وعزم فرض الأمر الواقع من أحد على أحد، ومن فئة على فئة، ومع الأسف نحن في هذه الأيام الحرجة، نعيش مرحلة متمردة على دروس تلقاها المواطنون جميعا، كل فئة منهم بدورها، لنكون أمام حالات الفرض والضغو ط المستفحلة التي تكاد أن تطبق الخناق بالكامل على بلد لطالما فاخر بحياته الحرة وسيادته على أرضه وتحكّمه بالخيوط الرئيسية الممسكة بمسيرته الديمقراطية.
فخامة الرئيس… بعد مغادرتك للقصر الجمهوري مرفوع الرأس، منتصب القامة، حاملا على جبينك معالم الفخر وراحة البال وطمأنينة الضمير، توجهت إلى بيتك جموع المواطنين والمسؤولين بشتى فئاتهم وانتماءاتهم، زاروك مؤيدين معاهدين، وغاب أولئك الذين غابوا عن القصر وعن سيده وعن مبادئه الراسخة والمتجذرة في أرض الوطن وفي عمق تشبثه بسيادته واستقلاله، فما زادوا الجموع الغفيرة التي واكبت عودتك إلى منزلك، إلاّ تأييدا وحماسا وتشبثا بما كانوا يطلقونه من مناشدات تدعوك إلى البقاء والإستمرار في دنيا السياسة من أبوابها الوطنية العريضة، وانطلاقا مما كرست نفسك له كقائد وطني بتوجهات وطنية خالصة جردت نفسك من خلالها عن أي خلل أو جنوح نحو الممارسة الفئوية التي تحفل بها البلاد ويجنح إليها البعض وفي طليعتهم عدد من زعماء هذه الأيام الغاشمة، ليدفع ثمنها وطن ومواطنون يجهدون، وقد جهدت معهم وفي طليعتهم، للعودة بالبلاد إلى مسار الحياة الطبيعية الآمنة، والمنهج الوطني السليم.
وإلى الذين قاطعوك وصادموك وعارضوك في حرصك على الدولة وعلى سيادتها وعلى حياديتها وعلى حرمة أن تطغى عليها أية جهة وأية فئة وأي تجمــع يزعم أنه يحمي البلاد أرضا وشعبا ودولة وحكما ومؤسسات وثروات وطنية، متجاهلين تماما دور الدولة ودور الجيش الوطني وناصبين أنفسهم أوصياء جبريين على أرض الوطن وأبنائه من كل الفئات والجهات، في الوقت نفسه الذي لم نعد نسمع فيه بسلاح المقاومة موجها إلى المكان الذي يجب أن يتوجه إليه في مواجهة العدو الإسرائيلي، فإذا به ينطلق بسلاحه وعسكره إلى كل مكان في الداخل وفي الخارج، باستثناء التوجه نحو الجنوب، مكتفيا بمقارعة ومنازلة الشعب السوري الصامد، ومعترفا بتشكيل جبهة «ممانعة» واضحة المعالم والطابع تقاتل الشعب السوري وتؤلب فئات على فئات وتتعامل مع تصرف فارسي طامح وطامع بكل ما يعيد إليه، أمجاد الإمبراطورية الفارسية.
فخامة الرئيس… سنواتك في الرئاسة، ختامها مسك.
نتوقع مع الجميع بقاءك واستمرارك فارسا من فوارس الساحة السياسية اللبنانية، وقد آن الأوان لأن يبقى للبنان فارس وطني الصفات والسمات، برتبة رئيـس جمهوريـة سابق، إنتماؤه اللبناني أبرز ما يحمله من معالم مميزة وحرة ومشعة.