Site icon IMLebanon

خشية من مقايضة الانتخابات السوريــة باللبنانية

 

على تقاطع بين الانتخابات العراقية والمصرية والسورية، يتحول لبنان جزءاً من صفقة يجري ترتيبها. فهل تتم مقايضة الانتخابات السورية باللبنانية؟

كان لافتاً، مع انشغال لبنان بالانتخابات الرئاسية التي جرت أول من أمس، تغاضي الإعلام الغربي في شكل واضح عن متابعة هذا الاستحقاق. حتى إن أهم الصحف الأوروبية والأميركية، التي كانت تبرز الملف اللبناني عادة، لم تثرها جلسة الانتخاب من قريب أو بعيد، ما أظهر غياب لبنان كلياً عن اهتمامات عواصم القرار.

الحدث الرئاسي الإقليمي في مكان آخر، وهو الذي يعكس نفسه على الدوائر الغربية وعلى وسائل الإعلام في هذه الدول كمؤشر على المنحى الذي تتخذه الأحداث الإقليمية في المفكرة الدولية. من هنا تبدو جلسة الانتخاب اللبنانية، بالمعنى الإقليمي والدولي، حدثاً عابراً بوصفها جلسة الضرورة الشكلية وليس ضرورة الانتخاب.
يعرف ذلك جميع الذين يعملون على خط الاستحقاق، ويعرفون، أيضاً، أن ظروفه لا تزال غير ناضجة، بغض النظر عن هوية الرئيس العتيد. من هنا، تصبح الجلسة المقبلة في مهب الريح لأن الذين خرجوا من ساحة النجمة يوم الأربعاء كانوا يعرفون مسبقاً أنهم لن يعودوا إليها لانتخاب الرئيس قريباً.
فالاستحقاقات الإقليمية هي التي تتقدم على انتخابات لبنان، وربطاً، فإن التفاهمات التي يجري الحديث عنها، ستجعل من هذه الانتخابات استحقاقاً مؤجلاً في انتظار تهيئة الظروف الإقليمية وتلمس اتجاهاتها.
ففي المفكرة الدولية والإقليمية سلسلة مواعيد أصبحت ضاغطة. الأول هو الانتخابات العراقية التي ستجرى في نهاية الشهر الجاري وسط تدهور أمني متصاعد، وسيتقرر على أساسها مصير رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، كواحد من مؤشرات ترتيب العلاقة السعودية ــــ الإيرانية. والثاني، الانتخابات الرئاسية المصرية التي ستجرى يومي 26 و27 أيار المقبل تزامناً مع انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال سليمان. والثالث، الانتخابات السورية التي تحدّدت بداية حزيران المقبل، علماً بأن ولاية الرئيس السوري بشار الأسد تنتهي في 17 تموز المقبل.

ظروف الاستحقاق لا تزال غير ناضجة بغض النظر عن هوية الرئيس

القاسمان المشتركان بين هذه المواعيد الثلاثة هما السعودية وإيران. فالأولى تولي اهتماماً فائقاً لإعادة الأمن والاستقرار الى مصر، لذا تحاول جمع كل أوراقها من أجل تثبيت المرشح المصري عبد الفتاح السيسي وليس انتخابه فحسب، إذ إن القاهرة اليوم هي المعبر الأساسي الذي تخوض الرياض من خلاله معركة إقليمية، لتكرس إطاحة الإخوان المسلمين وارتداد حركتهم في دول الخليج والشرق الأوسط.

في العراق وسوريا، يتقاطع الدور السعودي مع الإيراني، رغم أن للسعودية موطئ قدم أكثر تجذراً في العراق، مما هو عليه دورها في سوريا، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، أثبتته الأعوام التي تلت سقوط الرئيس السابق صدام حسين، في المناطق ذات الأغلبية السنية.

في المقابل، يمثل الوضع السوري خط الدفاع الأول بالنسبة الى سياسة إيران في المنطقة، في صورة مختلفة عما يمثله لها لبنان ودور حزب الله فيه. في سوريا، وحيث يتشابك الدور الإيراني مع أدوار دول غربية وعربية، يميل الوضع الميداني الى توازن أمني وعسكري، رغم جولات القتال والمعارك التي يعلن النظام السوري الفوز بها. ففي المحصلة، هناك شريط جغرافي يعنى به النظام كواحد من الممرات التي يريد إبقاءها نظيفة عسكرياً وخاضعة لمرماه. وهذا الشريط المرتبط جغرافياً بلبنان، شمالاً وشرقاً لجهة البقاع الشمالي، هو اليوم عصب الحرب السورية من جانب النظام وحزب الله. في المقابل، هناك حراك عسكري من جانب التنظيمات المعادية للنظام لا يزال محكوماً بضعف عسكري، في طريقه الى التحول نتيجة كلام عن احتمال رفع الدعم العربي والغربي للمعارضة على مستويات عسكرية مختلفة.

في ظل «توازن الرعب» السوري، يأتي موعد الانتخابات السورية، ليطرح علامة استفهام حول ما تريده إيران منه وسط المواعيد الإقليمية المتلاحقة، والمجرى الذي يمكن أن يتخذه الوضع السوري، ولا سيما في ضوء محاولات ترتيب العلاقة الإيرانية ــــ السعودية.

وبحسب أوساط لبنانية مطلعة، فإن ترابط موعدي الانتخابات الرئاسية السورية واللبنانية يشير الى احتمال إيجاد تسوية للاستحقاقين معاً، إذ إن ثمة خشية من تكرار السيناريو الذي حصل إبان الاتفاق السريع على سحب الأسلحة الكيميائية من سوريا بعد التلويح بتنفيذ ضربة عسكرية. حينها، تم الاتفاق، مقابل تراجع أو غض نظر الدول الغربية والولايات المتحدة في مقدمها، على المطالبة بتغيير النظام السوري أو إسقاطه. هكذا يمكن أيضاً أن يتم «السماح» للبنان بإجراء الانتخابات الرئاسية مقابل غض النظر عن إمرار الانتخابات السورية، في انتظار حصول تسوية شاملة تتعلق بالوضع السوري. وقد ظهر حتى الآن أن مجالات التسويات الإقليمية خضعت أكثر من مرة لمقايضات من هذا النوع.

وحتى تتضح معالم الاتصالات الإقليمية، يظل مصير الانتخابات الرئاسية اللبنانية في دائرة الخطر. فالعيون الغربية تنصبّ على الساحات الأكثر تأزماً، أي العراق ومصر وسوريا، في حين يتحول الوضع اللبناني هامشياً، ولا سيما بعدما انحسر بالحد الأدنى، خطر تهديد الاستقرار تحت عنوان الحكومة التي تجمع حزب الله والمستقبل على طاولة واحدة، لأن الصراع السني ـــ الشيعي هو الذي يتحكم ولا يزال بمصير لبنان. وفق ذلك، ولأن ثمة تراجعاً أميركياً عن التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية الثلاث، بحسب ما بدا واضحاً خلال زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للرياض، يمكن الاستنتاج أن الانتخابات اللبنانية أرجئت بفعل الأمر الواقع لا بفعل النصاب والترشيحات والتوافق عليها. فالحديث عن لبننة الاستحقاق كما تردد كثيراً في الساعات الأخيرة التي أعقبت جلسة ساحة النجمة، ليس سوى مجرد رفع للمعنويات اللبنانية. فالمرشحون والناخبون يعرفون أن الاستحقاق الحالي إقليمي أكثر من أي وقت مضى، وأن أوانه لم يحن، وأن إيران والسعودية لم تنجزا ترتيب التفاهم بينهما بعد. وحين ينجز هذا التفاهم في لحظة، ينتخب الرئيس العتيد في اللحظة التي تليها، كما حصل مع تأليف الحكومة التي يثبت يوماً بعد آخر الهدف من مجيئها وهو تأمين الاستقرار خشية الوصول الى الفراغ الرئاسي قبل إنجاز المقايضة الإقليمية.