Site icon IMLebanon

خطابان في مناسبتين في يوم واحد

أبت المصادفة إلاّ أن يكون لها وقع في يوم واحد، وهذا الوقع أخذ منحيين يندرجان تحت مفارقتين في مناسبتين مختلفتين، الأولى: خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله بمناسبة يوم القدس، والثانية خطاب رئيس «حزب القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بمناسبة مرور تسع سنوات على خروجه من سجن الوصاية.

ولأنّ خطاب السيّد حسن نصرالله يوم أمس كان  مخصصاً للقدس ظاهراً، فإنّ ما تضمنه لا يخلو من تكرار حول الممانعة والمقاومة، مع اختلاف الصورة كلياً في العالم العربي تجاه «حزب الله» بعد تدخله في أتون الحرب السورية، إذ عند التحرير في عام 2000، وما تبعه في 2006 كانت صور السيّد تملأ المحال والشوارع والبيوتات في أصقاع العالم العربي، تحية وتمجيداً للمقاومة، وهذا الأمر اختلف اليوم بالمطلق عما كان عليه قبلاً.

وفي عودة الى القدس فهي في صلب معتقدات المسلمين، لأنّها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فهي المدينة المقدّسة التي أسري إليها النبي محمد (صلّى الله عليه وسلم).

وفي صلب معتقدات المسيحيين أيضاً هي مدينة مقدّسة…

وهكذا، فإنّ هذه المدينة، التي تحتل موقعاً رفيعاً ومميّزاً في المعتقدات الإيمانية لدى المسيحيين والمسلمين، تشكل حافزاً عقائدياً وإيمانياً وسياسياً بالغ الأهمية لتحريرها من قبضة الصهاينة الذين يحاولون إزالة كل ما يتعلق بالإرث الديني لسائر الرسالات السماوية بهدف تهويدها..

من هذا المنطلق، فإنّ الحديث عن القدس يشكل رافعة بالغة الأهمية والتأثير في الوجدان العام… ولا أخفي أنني كلما أسمع كلمة القدس أتذكر السيّدة فيروز وهي تغني «يا قدس»..

في «يوم القدس العالمي» أمس، ألقى الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله كلمة لافتة، وأطل على جمهوره هذه المرّة مباشرة، من «فوق الأرض»، بعيداً من المكان الذي ألزم نفسه فيه، وهي المرّة الثانية، على ما أذكر، منذ العام 2006، حيث اضطرته الظروف الأمنية الى التحوّط… «فالاحتياط واجب» كما يُقال، تحسّباً لأي عمل عدواني أو إرهابي تقوم به «إسرائيل»..

وبالتقاطع، وبالتزامن، ويا للمصادفة، فقد احتفل رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع بخروجه من السجن، حيث أمضى في زنزانته الصغيرة، التي ألزمه فيها نظام الوصاية، أحد عشر عاماً  1994 – 2005 ، لا لشيء سوى لأنّه قال للرئيس حافظ الأسد: «كلاّ مرتين»… الأولى يوم إسقاط «الإتفاق الثلاثي»، والثانية يوم أسقط اتفاق الأسد مع الاميركيين على مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية..

وها هو، وبعد خروجه خاطب اللبنانيين كافة بدون تمييز، رافعاً شعار بناء الوطن السيّد الحر المستقل، بعيداً من الإرتباطات والإرتهانات الخارجية، وداعياً للعمل يداً بيد.

أمّا في الجانب الآخر، فمن هرب الى السفارة الفرنسية بثياب النوم، وخاض حروباً ضد الشعب اللبناني تحت مسميات عدة، لم نلحظ منه إلاّ الصلف والإرتهان والإقصاء، وهذا غيض من بعض فيض يزخر به تاريخه.

أعود الى كلمة السيّد نصرالله، فلقد استوقفني حديثه للمرّة الثانية أو الثالثة، وحتماً ليست الأخيرة، عن سبب تدخله في سوريا… والذي يبدو أنّ كل العمليات التي حدثت في لبنان ضد «المناطق الشيعية» من قِبَل متطرفين إسلاميين وكأنّ ليس لها علاقة بذهابه الى سوريا؟!.

كفى يا سماحة السيّد… كفى، وحسبك أن تعرف أنّه حتى الأولاد الصغار لا يمكن أن يصدّقوا أنّ ذهاب «حزب الله» الى سوريا لن تكون له انعكاسات سلبية على الوضع في لبنان.

نقطة ثانية تحدّث عنها السيّد نصرالله، وتتعلق هذه المرّة بالعراق… وهنا أريد أن أقول لسماحته، إنّه لولا تصرفات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي المدانة، ولولا الاضطهاد الإيراني لـ»أهل السُنّة» في العراق… ولولا حل الجيش الوطني العراقي والمجيء بجيش مذهبي شيعي، ولولا اضطهاد الشركاء في الوطن الواحد، من كل الطوائف والمذاهب، والتصرّف على أساس أنّه ليس في العراق إلاّ الطائفة الشيعية، لما كانت آلت الأمور في بلاد ما بين النهرين الى ما آلت إليه..

أمّا النقطة الثالثة التي تحدّث عنها السيّد نصرالله، فهي عن بطولات «حزب الله»، وكيف أنّ «حماس» والمقاومة الفلسطينية تشابهه، وأنّهما مستهدفان من العدو الاسرائيلي.

وهنا وقع السيّد حسن في مطب التكرار: الممانعة والمقاومة، والحلف السوري – الإيراني، وغير ذلك من العبارات التي سمعناها كثيراً في جملة خطاباته، ولا نفشي سراً إذا قلنا إنّ «الحزب» يأتمر بتعليمات قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، وبالمخطط المرسوم للمنطقة، وهذا أمر معروف للقاصي والداني، وإلاّ ما جدوى استمرار التورّط، واستمرار حال الإستنزاف عبر التدخّل في سوريا؟

مما لا شك فيه، ولا أحد يستطيع إلاّ أن يقر بأنّه لولا المقاومة لما تحرّر لبنان، وهذا موضع فخر واعتزاز لنا جميعاً.. فلولا المقاومة لكانت «إسرائيل» أحكمت قبضتها على لبنان بالكامل، وإلى أبد الآبدين.. ولكن ما لا يجب أن ننساه يا صاحب السماحة، هو أنّ دماء شهدائنا هي التي أجبرت «إسرائيل» على الإنسحاب.. وهنا لا بد من الإعتراف أيضاً وأيضاً، بأنّ دماء المقاومين الفلسطينيين هي التي ستحرّر فلسطين، لكن ما يحدث في سوريا والعراق، يشكل خطراً كبيراً يهدّد وحدة البلاد ويهدّد بتفتيت العراق، كما سوريا الى دويلات طائفية – مذهبية – اتنية وعرقية، وهذا بالغ الخطورة ويجب أن نفكر ملياً في كيفية التعاطي مع هذا التطوّر.. وهذا يستتبع جملة أسئلة من بينها:

– ألَيْس من الواجب أن ينسحب «حزب الله» من سوريا؟

– أوَلَيْس من الواجب أن تسحب إيران فيالقها، وتتوقف عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية؟

– أوَلَيْس من الواجب أن تدرك إيران أنّ مشروعها -أي المشروع الذي جاء به آية الله الخميني من فرنسا الى إيران- لإحداث هذه الفتنة في العالم العربي يجب أن يوقف نهائياً وإلى الأبد لتأخذ الأمور مجراها الطبيعي، ونعيش في منطقة آمنة لا تحكمها المطامع الامبراطورية..؟