لم يكن متوقعا بالنسبة الى مصادر سياسية ان يحصل اداء الرئيس السوري بشار الاسد القسم الدستوري لولاية ثالثة على اي تعليق مهم يذكر ما دامت الانتخابات السورية في حد ذاتها كانت مجرد مهزلة شكلية وفق ما اعتبرتها دول غربية عدة ممن اهتمت بابداء رد فعل غداة ما اعتبر انتخابات كان مظهرها الوحيد الذي اكتسب مغزى معينا هو في لبنان وما شكلته التظاهرة التي نظمها النظام وحلفاؤه من تهديد مبطن للبلد الجار. فاداء القسم هو تفصيل هامشي في هذا السياق ومن غير المحتمل ان يحظى تاليا باي رد فعل اللهم باستثناء الترحيب اليتيم الذي عبرت عنه ايران التي هنأت “الشعب السوري” بمناسبة اداء الاسد القسم الدستوري معتبرة ان “سوريا في المرحلة الجديدة تعد نفسها للدخول في مرحلة تحقيق المزيد من الاستقرار والهدوء” كما قالت الناطقة باسم الخارجية الايرانية. بالنسبة الى بعض المتابعين للوضع السوري، فإن المفارقة في سياق هذا الامر انه ينطبق عليه الشعار الذي يقول ” بمقدار ما تتغير الامور بمقدار ما تبقى هي نفسها ” plus ca change, plus c’est la meme chose” استنادا الى انه لم يحصل اي تغيير فعلي وذات معنى على الوضع السوري منذ تأمين الاسد اعادة فوزه في الانتخابات التي نظمها بشهادة تطورات ميدانية تؤكد ان ما كان قبل اعادة الانتخاب هو نفسه ما بعدها على صعيد العمليات العسكرية التي يقودها النظام والكر والفر الميدانيين بين النظام والمعارضة على اختلاف تنظيماتها ولم يدخل اي تعديل على المشهد السوري استنادا الى تطور شاءه كما اعلن حليفه الايراني مدخلا الى الاستقرار في سوريا ولا يعتقد ان اي تعديل جذري قد يدخل بمعنى اتاحة المجال للنظام لاستعادة سيطرته على سوريا. ويندرج للمفارقة في اطار هذه التطورات التي تدور في مكانها من دون تغيير نعي ” حزب الله” المزيد من عناصره الذين سقطوا في القلمون تزامنا مع اداء الاسد قسمه الدستوري علما ان هذا الاخير كان خاض هذه الانتخابات على خلفية انتصارات مبهرة كان حققها له الحزب في القصير ويبرود والقلمون بحيث بدت الامور فجأة وكأنها عادت الى الوراء او عادت تراوح مكانها اي بمعنى ان الازمة السورية مفتوحة على مزيد من استمرار ما يحصل منذ ثلاث سنوات واعادة انتخاب الاسد وادائه القسم مجرد تفصيل لا يضيف الكثير الى الصورة الكبيرة لمصير سوريا ولو حقق مكسبا تكتيكيا مرحليا له. والمفارقة الاخرى ان رئيس بلد يؤدي القسم الدستوري بما يعنيه مضمون هذا القسم والذي لا يختلف جوهريا بين كل الدول فيما يقتل عناصر تنظيمات اجنبية داعمة له على ارضه في تعبير صارخ عن عجزه عن السيطرة وحده على ارضه بقواته العسكرية واستمرار حاجته الى دعم خارجي ايا كان لمواجهة مواطنيه من المعارضة.
ينطبق الشعار نفسه اي ” بمقدار ما تتغير الامور بمقدار ما تبقى هي نفسها ” على مضمون الخطاب الذي القاه الاسد مفتتحا ولايته الثالثة بالعناوين والشعارات نفسها التي حملها منذ اللحظة الاولى لانطلاق الانتفاضة او الثورة السورية سلميا ضد نظامه. اذ لا تعكس السياسة الجديدة لولاية جديدة او متجددة لنظامه الاوضاع الجديدة في حدها الادنى علما ان هناك الكثير الكثير مما غير معالم سوريا ونقلها من طور الى اخر بل لا يزال الخطاب هو نفسه وبالعبارات نفسها. يعتقد متابعو الوضع السوري ان الاسد يستمر في محاولة مخاطبة الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية كما يفعل منذ ثلاثة اعوام في المخاطر التي يراها هذا الغرب من زاوية الارهاب مستندا الى الخدمات الجلى التي قدمها له ما يسمى تنظيم ” الدولة الاسلامية ” داعش لجهة توسعه اكثر فاكثر في المناطق السورية استكمالا لسيطرته على مناطق عراقية سنية واقتراح نفسه تاليا شريكا في الحرب على الارهاب الذي يضع كل المعارضة السورية الجدية لنظامه في خانته. وهذا الخطاب بالنسبة الى هؤلاء المتابعين يشكل نموذجا على ان الرئيس الذي تسبب بالازمة في سوريا من خلال عدم قدرته على استيعاب اي معارضة بسيطة لحكمه ومواجهتها بالقمع الامني والعسكري لم يتغير ولا يستطيع ان يقدم اي جديد يذكر اكان تنازلا نوعيا يسمح له باعادة تركيب بلده على قاعدة الحد من خسائره لاحقا والمحافظة على الحد الممكن للاستمرار او نزع اوراق التفاوض حول مصيره او مصير بلاده من ايدي الدول الاخرى ايا كانت. فهناك مزيد من الامر نفسه وهو لا يزال على منطقه شأنه شأن رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي الذي يهدد استمراره في التشبث بالعودة الى ولاية ثالثة بان يدفع الى تفتت العراق وانقسامه. وهذا الاخير فشل في اقناع الاميركيين بمساعدته على مواجهة تنظيم داعش والذي طبع كل معارضيه السنة بطابع هذا التنظيم واستعدى الاكراد باتهامهم بتوفير الدعم لهم. فكما في العراق كذلك في سوريا ثمة وعي لمخاطر داعش والتنظيمات الجهادية لكن مع تمييز وجود معارضة سنية غالبة لا بل ثورة سنية في وجه تمدد سيطرة ايرانية في العراق وسوريا وصولا الى دول اخرى في المنطقة. وهذه المعركة لم يكسبها حتى الان لا النظام السوري ولا النظام العراقي بل تهدد حربيهما بالمزيد من استمرار الحرب.