في الاجتماع الاخير لـ«تكتل التغيير والاصلاح» طلب العماد ميشال عون من جميع المتواجدين الالتزام، «مبدئيا»، بالحضور في الجلسة المقبلة التي سيعيّنها الرئيس نبيه بري لانتخاب الرئيس.
كانت التوقّعات العونية بأن رئيس مجلس النواب سيحدّد موعدا لآخر جلسة رئاسية يوم الجمعة 23 أيار، أي قبل يومين من انتهاء المهلة الدستورية للانتخاب. بالطبع لم يفهم معظم الحاضرين خلفيات «أمر اليوم» من الجنرال، ولماذا سيتوّجهون الى ساحة النجمة خلافا لـ«القاعدة».
ليس في الأمر أي جديد. ضيوف «التكتل» نادرا ما وضعوا في «الاجواء». أكثريتهم لا تدري فعلا ماذا يجري بين ميشال عون وسعد الحريري، وعمّا اذا كانت الصفقة الموعودة مَحض رئاسية، أم هي عبارة عن سلّة كاملة تشمل خارطة طريق ما بعد الرئاسة، ومن ضمنها قانون الانتخابات النيابية.
حتى النائب سليمان فرنجية لا يعلم تماما ماذا يدور في ذهن ميشال عون. «البيك» عند الضرورة يأخذ التلفون ويجري اتصالا بصديقه الرئيس بشار الأسد. منه يفهم الصورة أكثر، لبنانيا وإقليميا ودوليا.
المقرّبون من ميشال عون يقولون: «طُرحت فكرة تأمين النصاب في الجلسة المقبلة من أجل كسر الحلقة المفرغة، أي حلقة الانتظار. سنتوجّه الى البرلمان وفي الاعتبار ان مرشّحنا هو ميشال عون، من باب الضغط لحصول الانتخابات. لكن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، قد نخرج من جلسة النصاب برئيس وقد لا نفعل».
ومع وضوح الموقف القواتي والكتائبي في مقاطعة جلسات مجلس النواب ورفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي، وتوجّه وزراء «الكتائب» الى خيار الامتناع عن حضور جلسات مجلس الوزراء من باب الضغط لانتخاب الرئيس بعد 25 أيار، فلا قرار عونيا بعد برفع سقف المواجهة الى هذا الحدّ. التوجّه العام في الرابية ينحو صوب رفض التشريع تحت خيمة الشغور، الا إن القرار لم يعلن بعد.
النصاب سيتأمّن إذا يوم الخميس المقبل في 22 أيار، لكن الأرجح انه لا انتخاب لرئيس الجمهورية، فيما يتوقّع أن يدعو بري الى جلسة أخرى يوم الجمعة.
التكتيك متّفق عليه مع «حزب الله» وسائر القوى المقاطِعة. داخل الفريق العوني من لا يستوهم بأن دعوة وزير الخارجية السعودي لنظيره الايراني للحوار قد حلّ «سحرها» بين يوم وآخر، وبأن المرحلة الصعبة في التفاوض النووي بين الايرانيين والغرب قد مرّت على خير. الجميع يتحدث عن قطبة مخفية ستؤمّن نصابا من دون رئيس قبل انتهاء الولاية الدستورية، في استنساخ لجلسة 23 نيسان.
الرابية تتجنّب، على الارجح، وضعها في قفص التعطيل الدائم في ظل معطيين لم يتغيّرا حتى الساعة: لا توافق على ميشال عون، ولا توافق على مرشح من نادي «الخيار الثالث» بمباركة برتقالية. العارفون يجزمون «حِمل التعطيل بات ثقيلا على كتفي عون».
«أمر الجنرال» بتأمين النصاب ترافق مع تعليمات سابقة نفّذها الفريق البرتقالي مع حلفائه بالتزام كبير. لا مجال للحديث عن «خطة ب». ميشال عون «التوافقي» هو الورقة الوحيدة المطروحة على الطاولة، والتفاوض يجري على أساسها. المعطيات حكما ستتغيّر مع اليوم الاول من الشغور الرئاسي.
ما يطبخ في كواليس الرابية، بالتنسيق مع «حزب الله» والرئيس نبيه بري، يزيد منسوب القلق في بكركي، تماما كما مشهد التعنّت في معراب، والعناد المسيحي المسيطر على الرؤوس. من رَصَد حركة زوار الصرح اللافتة أمس وتصاريحهم «التحذيرية»، نقلا عن «سيّد بكركي»، أمكن له تلمّس مقدار الغضب الذي يتسلّل من بين كلمات البطريرك.
ثمّة من يتحدّث في هذا السياق، عن وسطاء سيسعون جهدهم لدفع الراعي الى لجم انفعالاته وعدم قول الأمور بأسمائها في معرض تحميله المسؤولية عن الإخفاق في انتخاب رئيس وفق الأصول وضمن المهلة.
باختصار، لم ير البطريرك يوما في القادة الموارنة الأربعة مشروع حل. هو يرفض نقل الخلاف من الشارع الى المؤسسات. الراعي ضد الرئيس الطرف، حتى لو ألبس الرداء «الغاندي».
ليس فقط غياب التوافق المسيحي، الذي كان بإمكانه أن يأتي برئيس للجمهورية يُفرض على الداخل والخارج، كما يقول الراعي أمام زواره، هو الذي يثير استياء سيّد الصرح. في الأشهر الماضية سجّل عتبا كبيرا على تصرفات وأداء أهل البيت، منتقدا غياب التواصل البنّاء بين الكنيسة و«أبنائها القادة».
سمير جعجع يوفد انطوان زهرا بدلا منه الى الصرح. إيلي الفرزلي هو الوسيط الأساسي بين عون والبطريرك. الرئيس أمين الجميل تذكّر «سيّدنا» حين قرّر أن حظوظه أكبر من جعجع لدخول القصر الجمهوري. ردّ الراعي كان مباشرا «إقنع عون وفرنجية وجعجع بك، ثم تعال اليّ». سليمان فرنجية زاهد بكل شيء، حتى بالبطريركية.
خلافا لكل التسريبات المنظّمة التي اوحت بأن البطريرك بشاره الراعي يقف خلف منظومة التمديد للرئيس ميشال سليمان ويروّج لها في الصالونات والسفارات، فإن سيّد بكركي حمل شعلة التمديد تحت عنوان واحد لا غير: حثّ القوى السياسية، وعلى رأسهم المسيحيون، على تفادي الفراغ والشروع فورا بانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية. كاره التمديد لا يريده، لكنه تبنّاه في لحظة مواجهة مع معطّلي النصاب، كما يصفهم، وعلى رأسهم ميشال عون.
بين الفراغ أو التمديد أو رئيس لا يعجب بكركي، يقف الراعي الى جانب الخيار الثالث. هو المروّج الاول لنظرية انتخاب الرئيس، أي رئيس، المهمّ عدم «استيلاء» الحكومة على صلاحيات الموقع الاول. وبالتأكيد فان قرار بري تأجيل الجلسة اسبوعا كاملا لم يلق ارتياحا لدى بكركي.
للراعي رزمة مرشّحين مفضّلين، وليس مرشحا واحدا فقط. اللائحة باتت معروفة. في البداية جمع القادة الموارنة وطلب منهم إما الاتفاق في ما بينهم على رئيس منهم، أو التوافق على رئيس من خارج «مجموعة الاقطاب». بالطبع كان خياره الاول أن يتّفق ميشال عون وامين الجميل وسليمان فرنجية وسمير جعجع على مرشح يؤمّنون له الغطاء السياسي الكامل. كان هذا حلم بكركي. لكن الحلم انقلب الى كابوس.
واكب، بكثير من الانزعاج، جولات جديدة من التطاحن المسيحي، واستحضار شبح الحرب الاهلية الى مجلس النواب، ومواقف النكايات، والتعطيل الممنهج لجلسات النصاب. وإذا كان ثمّة من يعتقد ان الرئيس الحريري هو الذي يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية باعتماده سياسة المماطلة مع عون، من ضمن الالتزام الطبيعي بالقرار السعودي، فإن البطريرك الراعي يقولها اليوم على رأس السطح: «هؤلاء همّ من يقف حجر عثرة أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية»… هو يشير بالاصبع الى القادة الموارنة الاربعة.