كان لسيطرة “داعش” على مدينة الموصل العراقية وقع الصاعقة في الاوساط الإسرائيلية، وسط اجماع المعلقين الإسرائيليين على ان التوسع الجغرافي لهذا التنظيم الإسلامي المتشدد المنبثق من “القاعدة” يشكل خطراً حقيقياً على امن إسرائيل، ويهدد الى حد كبير استقرار الأردن الذي له اهمية كبيرة بالنسبة الى إسرائيل، ومن شأنه أن ينعكس على الحرب الاهلية في سوريا والوضع القائم في هضبة الجولان، وان يفتح الباب على مصراعيه امام مرحلة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط.
حرب خليج ثالثة
ففي صحيفة “يديعوت أحرونوت” وصف بن درور يماني ما حصل في العراق بأنه “حرب الخليج الثالثة” واعتبر أن التطورات الاخيرة هناك تحتم على إسرائيل اعادة التفكير في الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتبلور امام ناظريها، وخصوصاً في ظل نشوء كيان سياسي جديد في العراق اخطر بكثر من الكيان الفلسطيني الموحد. وأبدى الكاتب تخوفه الكبير من توسع الكيان الجديد نحو الأردن، ولاحظ انه للمرة الأولى تبرز مصلحة مشتركة تجمع بين “حزب الله” والأردن والعراق وإسرائيل ألا وهي وقف تقدم “داعش”.
وفي صحيفة “هآرتس” رأى المعلق عاموس هرئيل ان التطورات الاخيرة في العراق أوجدت مصلحة مشتركة بين الأميركيين والإيرانيين هي التصدي لخطر “داعش”، وكتب: “آخر شيء يمكن ان ترغب فيه إيران على حدودها الغربية هو دولة شريعة سنية تابعة لمدرسة بن لادن، كذلك ليس للولايات المتحدة اي مصلحة في ذلك”. واعتبر الكاتب انه على إسرائيل تركيز جهودها حالياً على ثلاث نقاط اساسية: تعزيز قوة الأردن والمساهمة في صمود العائلة المالكة؛ الاستعداد لمواجهة مفاجآت غير متوقعة بسبب التطور السريع للاحداث مثل حصول هجمات لفصائل “القاعدة” في منطقة هضبة الجولان عليها، وعلى رغم أن هذه الفصائل مشغولة بالقتال ضد الأسد و”حزب الله”؛ أما النقطة الثالثة فتتعلق بطبيعة الترتيبات الأمنية التي يتركها وراءهم الأميركيون. فانهيار الجيش العراقي هو الحادثة الثانية من نوعها لقوات عربية دربها وسلحها الأميركيون في السنوات الاخيرة. فقد سبق ذلك انهيار القوات الامنية للسلطة الفلسطينية في حزيران 2007 وفرارها من غزة تحت وطأة الهجوم الذي شنته “حماس”.
تقاطع مصالح
وفي مقالة عنوانها “الانعكاسات الاستراتيجية لانهيار العراق” صادرة عن “معهد دراسات الأمن القومي”، توقف عوديد عيران ويوآل غوزنسكي امام التقاطع المثير للمصالح الذي أوجدته سيطرة “داعش” على وسط العراق، فكتبا: “من الامور المثيرة للسخرية ان جميع الدول المجاورة للعراق تجد نفسها ضمن حلف غير رسمي، ولكل دولة اسبابها ومخاوفها. فإيران تتخوف من سقوط مدن شيعية مهمة في يد الدولة الإسلامية مثل النجف وكربلاء، وتركيا تخاف من تسلل العناصر الإسلامية المتشددة من سوريا الى اراضيها، والأردن الذي يغرق في أزمة النازحين السوريين، يخاف على حدوده مع العراق القريبة من مناطق سيطرة الدولة الإسلامية، وكذلك دول الخليج”. ويتساءل كاتبا المقالة عن احتمال ان يكون الأميركيون والإيرانيون قد تطرقوا الى موضوع العراق في المحادثات الثنائية التي جرت بينهما، وعن احتمال نشوء تعاون أميركي- إيراني في اي مسعى أميركي للتدخل في العراق وكبح تقدم “داعش” ليستنتجا ان “مشاركة إيران غير ممكنة من دون التطرق الى دورها في سوريا وتعاونها مع حزب الله. والتعاون مع إيران في العراق مرتبط بمشاكل كثيرة”.
وتخلص المقالة الى ان “لإسرائيل مصلحة كبيرة في محاربة تمركز الدولة الإسلامية في أي منطقة من الشرق الأوسط حتى لو كان هذا التنظيم لا يوجه عملياته ضد إسرائيل إلا ان توسعه الجغرافي يشكل خطراً أمنياً عليها”. كما يلفت الكاتبان الانتباه الى انعكاسات سيطرة “داعش” فترة طويلة على المناطق النفطية في العراق وتأثير ذلك على اسعار النفط مستقبلاً.
وفي رأي عدد لا يستهان به من المعلقين الإسرائيليين ان انهيار الجيش العراقي وتفكك الدولة هما الدرجة الاولى دليل على الفشل الأميركي الذريع في العراق وفي التعامل مع مشاكل الشرق الأوسط بصورة عامة، وفي رأيهم ان هذا يؤكد صواب المواقف الإسرائيلية المتشددة الرافضة لحل الدولتين لشعبين الذي ترعاه الولايات المتحدة.