لنفترض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما صادق في ما يقول، وعازم فعلاً على استئصال «داعش» والإرهاب من المنطقة، فماذا يطلب من ايران والرئيس بشار الأسد وحزب الله؟
بعض الجواب نجده في الملاحظات الآتية:
تحدّث أوباما أكثر من مرة عن الطائفة السنّية. شدّد على «حاجة السنّة الى خطة تلبّي تطلّعاتهم». قال: «يجب ان نتمكّن من الوصول الى القبائل السنية في بعض المناطق التي تحتلها داعش». سانده في ذلك رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي بقوله: «لا يمكن الانتصار من دون القوى الاقليمية ودعم 20 مليون سني مهمّشين يقيمون بين بغداد ودمشق».
كان وزير الخارجية السعودي قد سبق أوباما وديمبسي بكلام مماثل. حذّر الأمير سعود الفيصل، في المؤتمر الدولي حول العراق، من «مخاطر تنامي مشاعر الاحباط والغبن والتهميش لدى العرب السنّة».
تبنِّي أوباما للمخاوف والتحذيرات السعودية له أسبابه. المفاوضات الايرانية ــــ الغربية قطعت شوطاً بعيداً رغم الصعوبات. طهران تسلّمت في الأيام القليلة الماضية مليار دولار من ايراداتها النفطية التي كانت مجمّدة في اليابان. من المنتظر ان تستعيد، أيضاً، 2.8 مليار دولار خلال 4 اشهر، بعد ان كانت قد تلقت 4.2 مليارات دولار في الفترة من كانون الثاني حتى تموز الماضيين.
يريد أوباما، اذاً، طمأنة السعودية والقلقين في دول الخليج من تقدم هذه المفاوضات الايرانية ــــ الغربية. يريد، كذلك، الاستمرار في الضغط التفاوضي على طهران. هو كان قد تعرض لضغوط هائلة، اسرائيلية وخليجية ومن اللوبي الاسرائيلي الاميركي، لوقف هذه المفاوضات. لكنه، تماماً كما مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، يعتبر الاستمرار بها خياراً استراتيجياً لأسباب داخلية وخارجية.
من غير المنطقي التفكير بأن أميركا تريد فعلاً عودة سنّية قوية الى مراكز الحكم في المنطقة. تقتضي مصالحها الابقاء على أنظمة متناقضة لتسهل السيطرة عليها.
حين رفعت السعودية شعار اسقاط رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. لم تتحمّس واشنطن في البداية. بقيت تجاهر بدعم المالكي. ثم، كعادتها، غيّرت الرياح خصوصاً حين لوّحت الرياض بالتقارب مع روسيا. لم يكن القيادي الشيعي مناهضاً لأميركا. لكن واشنطن لم تنس بعض تمرده عليها، ومنه: انه اصرّ عام 2011 على رحيل كل القوات الاميركية. رفض عرضاً ببقاء نحو 10 الآف أميركي. تشدّد في الاتفاقية الدفاعية المشتركة. أيّد وساعد النظام السوري. نوّع العطاءات النفطية. ثم توج ذلك كله باتفاقية عسكرية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
المعلومات تؤكد ان ايران، أيضاً، لم تكن راغبة بالتضحية بالمالكي. يبدو ان المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني أصرّ على ذلك. نُقل عنه قوله للوفد الايراني الوسيط: «اذا قررتم الاستمرار بدعم المالكي في رئاسة الحكومة فان العراق مقبل على خراب». أدرك السيستاني ان الضغوط السنّية الداخلية والخليجية تلقى تأييداً اميركياً، وان المالكي بات عقبة وليس حلاً. اصطدم المالكي في حينه بالمبعوث الايراني ويُقال إنه هدّده بالسجن.
في منطق المفاوضات بين دول تحترم نفسها، كايران وأميركا، فإنتكون قضية بحجم المالكي تخضع لشروط وشروط مضادة. في نهاية الأمر حصل اتفاق وتفاهم. فتح الأمر الباب لأول اتصال ايراني ــــ سعودي. ولعله فتح، أيضاً، أبواباً بين ايران ومصر، رغم ان العلاقة مع القاهرة لها أسبابها وشروطها الأخرى والمهمة.
اذا استمر التفاهم الاميركي ــــ الايراني ــــ السعودي في العراق، سنشاهد تكثيفاً مهماً للضربات الاميركية وتراجعاً مضطرداً لـ «داعش».
ماذا عن سورية؟
من غير المنطقي أن تكون أميركا غيّرت استراتيجيتها في المنطقة، وباتت تفضل حكم الأكثريات. لو أرادت ذلك لفعلت أولاً في البحرين. هي الآن تريد استخدام الورقة السنّية أيضاً في سورية للحصول على تنازلات. ستبقى تحاول، حتى النهاية، الضغط على طهران في سياق التفاوض على إبعاد الرئيس بشّار الاسد وإدخال تعديلات في بنية النظام. حتى الآن لا تلقى تجاوباً ايرانياً، وتصطدم بسدّ روسي، بينما الجيش السوري يتقدّم في الغوطة الشرقية.
لم تعد مسألة الاصلاحات هي المطلوبة. هذه صارت خلف ظهر أميركا. ما عاد أحد يتحدث عن الائتلاف السوري المعارض، ولا عن المعارضة الخارجية. على العكس تماماً. بدأت، قبل فترة، مفاوضات أميركية ــــ سورية مباشرة في النرويج حين التقت مستشارة الرئيس السوري الدكتورة بثينة شعبان عدداً من المسؤولين الاميركيين من بينهم جيفري فيلتمان. هكذا مفاوضات لا يمكن ان تكون قد توقّفت. مع ذلك فان اوباما، المتزايد ضعفاً امام الجمهوريين والضغوط الداخلية، مضطر لعدم الاقدام على تحوّل كبير لأن ذلك سيصبّ في خانة اتهامه بالفشل والضعف. كما أن أيّ تحول مفاجئ سيثير ضده دولاً أوروبية وخليجية، والقاعدة السنية في المنطقة، وعلى الارجح اسرائيل. من الصعب ان تقبل اسرائيل بخروج الجيش السوري وحزب الله أقوى من الحرب بعد خبرة قتالية استمرت اكثر من ثلاث سنوات.
من المرجح اذاً ان تظهر الشروط الأميركية والغربية والخليجية اكثر كلما اقترب تشكيل الجبهة الاقليمية والدولية لمحاربة «داعش» والارهاب. من المرجح كذلك ازدياد هجمات «داعش» في سورية. مع ذلك، فإن ضرب التنظيم في العراق وحده غير كاف. ديمبسي نفسه قال صراحة: «لا يمكن ان نهزم داعش في العراق من دون التدخل ضد فرع داعش في سورية». بن رودس، مساعد مستشار الامن القومي الاميركي، قال هو الآخر انه «اذا اقتضت الحاجة سنشنّ ضربات في سورية». عمليات الاستطلاع بدأت فعلياً. الضربات قد لا تكون بعيدة. التنسيق قائم بطرق جانبية.
أقصى ما يطمح اليه الاميركيون هو ايجاد قوة سورية من مقاتلي المعارضة تشبه البشمركة في العراق. هذا يريح الحلفاء الخليجيين. هم يعملون على ذلك. ولكن يبدو ان الرياح تجري بأسرع مما يطمحون. بات التعاون مع الجيش السوري أكثر سهولة، لكن هذا في حاجة الى تفاهم سعودي ــــ ايراني أولاً. كلام اوباما اذاً عن السنّة في المنطقة هدفه، أيضاً، التمهيد لتحوّلات ولو طفيفة رغم كل التصريحات الرنانة.
ماذا يراد من حزب الله؟
كتلة المستقبل بقيادة الرئيس فؤاد السنيورة، وكذلك القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، طرحت الشروط. قالت الكتلة، صراحة، بعد اجتماعها الاخير انها طلبت «الاستعانة بقوات الامم المتحدة لحماية لبنان ونشر قواتها على امتداد الحدود الشرقية والشمالية (اي حدود سورية)». كذلك اعتبر السنيورة ان من يرفع راية ولاية الفقية وراية الخليفة في الموصل متشابهان. الامر نفسه ورد على لسان جعجع بقوله: «ان حوادث عرسال اكدت صحة دعواتنا لضبط الدولة للحدود» رافضاً مشاريع «الامن الذاتي».
اذا اضفنا الى ذلك ان الدول الثلاث التي تريد مساعدة الجيش اللبناني، اي السعودية وفرنسا والولايات المتحدة، هي من خصوم حزب الله، تبدو الصورة واضحة. اي مساعدة ستكون مشروطة بتطويق حركة الحزب وسورية. لكن ماذا لو عجز الجيش اللبناني عن التصدي لـ «داعش»؟ الن يصبح الحزب وسورية حاجة اقليمية ودولية؟
كل ما تقدم يوصلنا الى نتيجة واحدة: أي جبهة اقليمية ودولية لضرب «داعش» في حاجة الى تسويات سياسية تسبقها. هذه التسويات لا تزال في بدايتها. بعض مؤشراتها قد يظهر في الاجتماع القريب لوزيري خارجيتي ايران والسعودية، وبعد جولة وزيري خارجية ودفاع اميركا في المنطقة. وبما ان التسويات لا تزال في طور جس النبض، فانها ستشهد تنامي الضغوط المتبادلة من العراق الى اليمن فسورية ولبنان، ولا تبشر باقتراب العمليات الكبرى من مرحلة استئصال «داعش»، الا اذا حصلت تطورات أمنية مفاجئة تستدعي سرعة التحرك. في انتظار ذلك، فان الفقراء والبسطاء والشرفاء كالعسكريين علي السيد وعباس مدلج سيدفعون الثمن من دمائهم.