إذا كانت ثورة الزلازل المتفجرة في جوف الأرض يجري تحديدها على مقياس «ريختر» فالثورة والزلازل فوق الأرض أصبحت على مقياس «داعش».
ومع تنامي نفوذ هذا التيار لا بد من تسليط المزيد من الأضواء عليه سواء في العالم العربي أو خارجه.
تفيد المعلومات بأن تنظيم «داعش» أصبح «كونياً» وعابراً الحدودَ والقارات، حيث كشف النقاب عن وجود مقاتلين في صفوفه ممن ينتمون إلى جنسيات أجنبية مختلفة من الشرق والغرب. وأدركت بعض الدول الغربية ولو في وقت متأخر مدى تورط عدد من رعاياها في النشاطات العملانية والميدانية لتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ومنها فرنسا وبريطانيا مثلاً لا حصراً.
ففي باريس كشف الرئيس فرنسوا هولاند عن مشاركة عدد من الشبان الفرنسيين في القتال في سورية وبعض دول الجوار وفي طليعتها العراق. ورصدت الدوائر الأمنية الفرنسية عودة عدد منهم إلى فرنسا في الآونة الأخيرة بعدما «استقالوا» من مهامهم القتالية لأسباب مختلفة منها ضيق ذات اليد وتوقف بعض التنظيمات عن الدفع للمقاتلين.
ويشكل هؤلاء قنابل موقوتة في الدول الغربية التي عادوا إليها.
وهنا الحديث عن فرنسا وعما كشفه رئيسها، وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا حيث عاد إليها «بعض رعاياها» من الذين قاتلوا في صفوف «داعش» أو غيره من التنظيمات «الجهادية» كما يسميها البعض، أو «الإرهابية» كما يسميها البعض الآخر.
أما التدابير الفورية بحق هؤلاء العائدين فاعتقال هذه العناصر، وسحب الجنسية منهم ومنعهم من السفر مجدداً إلى سورية أو العراق أو أي مكان تشتعل فيه «جبهات التكفير والإرهاب».
إذاً، نحن نتحدث عن «داعش» في الأوطان وفي المهاجر القريبة منها والبعيدة. وفي هذا السياق كشف وزير داخلية المغرب محمد حصاد أن عدد المغاربة الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق بلغ 1122 شخصاً، تُضاف إليهم أعداد أخرى مغربية سافرت من دول أوروبية ويقدر عددها بألفي مقاتل. ويشير إلى مقتل أكثر من مئتي مغربي.
ولاحظ الوزير «أن عدداً كبيراً من المقاتلين المغاربة يتولى مراكز قيادية في هذه التنظيمات المتطرفة»، فيما تخشى السلطات وقوع عمليات انتحارية في الداخل المغربي.
وإذا كانت السلطات المغربية أو غيرها تملك مثل هذه المعلومات الدقيقة عن «إرهابييها» فلماذا لا تتم مكافحة ظاهرة تحول الشبان للانتساب إليها؟
وفي ســــياق مسلسل المفاجآت ما حدث في العراق قبل أيام و «انبعاث» القيادي البعثي عزة الدوري بعد عشر سنوات على إعدام صدام حسين ليتضح وجود التحالف الوثيق بين «داعش» وبقايا البعث.
وهذه التطورات من شأنها أن تضيف إلى المأزق العراقي المزيد من التعقيدات والأخطار وفي طليعتها عملية «تسريع» تقسيم العراق ثلاث دويلات: كردستان العراق شمالاً، والجيب الشيعي جنوباً، مع بقاء «الجيب السنّي» خاضعاً للمساومات مع الرجل الممسك بالوضع العراقي، على رغم كل الضغوط التي تمارس عليه، ألا وهو رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يستقوي بالحاضنة الإيرانية وبأطراف إقليمية يهمها بقاء الوضع على ما هو عليه.
ولا بد من التوقف عند التوتر العالي الذي قفزت درجاته إلى أعلى في الأسابيع الماضية بين دولة الكرد بقيادة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والحكم المركزي في بغداد المتمثل بالمالكي نفسه. لكن سحب الوزراء الأكراد من الحكومة من شأنه أن يكرس خطوات انفصال إقليم كردستان عن بغداد. كذلك يحتل الوضع في مدينة كركوك واشتداد حدة التنازع عليها أزمة كبرى تضاف إلى التوتر الشديد بين المالكي وكردستان، من دون أن ننسى الصراع القائم على أشده لاختيار رئيس جديد للجمهورية، وهو من حصة الأكراد. وترشح أربيل لهذا المنصب برهم صالح الشخصية الكردية المعروفة، فيما يصر حاكم الأمر الواقع في بغداد نوري المالكي على اختيار شخصية تؤمن بعراق موحد وليس بتكريس التقسيم.
ولوحظ في هذا المجال تحسن علاقات كردستان وتركيا، والزيارة المفاجئة التي قام بها بارزاني ولقاءاته المطولة مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وما جرى الحديث عنه من بناء شبكة تربط بين البلدين لتأمين نقل النفط. كذلك تكمن المفاجأة في ما ذُكر عن تعاون وثيق بين زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي وكردستان العراق، وما ذُكر عن دور لتركيا في «نشأة» «داعش» من منطلق مذهبي.
وبقطع النظر عن الطموحات التي يرمي إلى تحقيقها «داعش» أو غيره من «التنظيمات الجهادية»، فالملاحظ أن الكلام عن فلسطين وقضيتها لم يرد مطلقاً في أي تصريح لهذه الجماعات، ما يضع القضية الفلسطينية في موقع متأخر في سلم أولويات المنطقة.
إلا أن حرب إسرائيل على غزة، أعادت هذه القضية إلى موقع متقدم، مع دفع الأثمان الباهظة من الغزاويين من الأطفال والنساء والشيوخ في الهجمة الإسرائيلية الشرسة.
نكتب هذه السطور وجحيم القصف الإسرائيلي المدمر على أشده، ودخلت مصر على خط التهدئة وطرحت مبادرة تدعو إلى وقف إطلاق النار. إسرائيل قبلت و «حماس» رفضت في البداية، لكنها أرغمت لاحقاً على هدنة موقتة لأسباب إنسانية. ولهذا الرفض علاقة وثيقة بالعلاقات المتوترة بين «حماس» ومصر السيسي.
وثمة أسئلة طرحت حول الحرب في غزة ومنها: من الذي أشعلها؟ واستطراداً: من الذي يقف وراء خطف المستوطنين الإسرائيلين الثلاثة والعثور عليهم مقتولين، الأمر الذي دفع بنيامين نتانياهو إلى قصف غزة بعنف شديد.
ومن التطورات اللافتة امتلاك كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري لـ «حماس» – بعض أنواع جديدة من الصواريخ التي أطلقت باتجاه مناطق مختلفة، وسقط بعضها في تل أبيب وحيفا، لكن ميزان الخسائر في اختلال كبير، فمقابل سقوط ما يزيد على أكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى، والكثير من الدمار في غزة، سقط جندي إسرائيلي واحد.
أما التوقيت العام للحرب فيتلاقى مع قيام حكومة اتحاد وطني بين مختلف الفصائل الفلسطينية في غزة ورام الله، الأمر الذي «عوقب» عليه الفلسطينيون وفق قاموس التعامل بالنسبة لنتانياهو.
ووسط هذه الأجواء البركانية الملتهبة في المنطقة كيف تبدو المشهدية العامة؟
أولاً: على رغم استمرار وجود عناصر من «داعش» و «النصرة» وتنظيمات أخرى مسلحة في مناطق من الجغرافيا السورية، أقسم الرئيس بشار الأسد اليمين الدستورية للبقاء في الحكم سبع سنوات جديدة، وظهر في خطاب القسم الذي اتخذ في مظاهره طابع القياصرة الروس القدماء وكأنه في موقع المنتصر الذي يملي شروط السلام… أو الاستسلام على مقاتليه.
وباسم التحليل الموضوعي والنظرة المجردة البعيدة عن المشاعر الشخصية، خرج الأسد بعد أربع سنوات من حرب مدمرة ليقول «أنا هنا»، ولا ينفع كثيراً قول الأطراف الآخرين أنْ لا أهمية للانتخابات التي أجريت ومنحته الأكثرية، فالرجل موجود وباق في السلطة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً مهما بلغت التضحيات.
ثانياً: ما جرى الحديث عنه من لقاءات عقدت بين السيدة بثينة شعبان، والسيد جيفري فيلتمان في عاصمة دولة أوروبية، يعكس تبدلاً كبيراً في النظرة الأميـــركية ونظرة الأسرة الدولية إلى الأسد، باعتبار أن فيلتمان يمثل الوجهين الأميركي «والأممي» كمساعد سياسي أول لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
إن ما شهدته سورية منذ اندلاع الشرارات الأولى للحرب فيها وعليــــها، أدت إلى «صمود النظام» على رغم كل الخراب والــــدمار. ومع بقاء مناطق أخرى خارجة عن السيـــطرة كالرقة وحلب، كما ورد في خطاب الأسد، والذي أشـــار فيه إلى مشاركة مقاتلــــين من ثــــلاث وثمانين جنسية في المعارك الــــدائرة، فشلت المعارضات السورية في حسم الأمور، والخلافات التي تعــــــصف في صفوفها أدت إلى فقدان صدقيتها لدى الـــدول الغــــربية. كـــذلك، فالمأزق يحتاج أسلوباً جديداً من التعاطي في المواجهة المستمرة.
ثالثاً: علـــى رغم الوضوح الذي كشفته ممارسات «داعش»، ما زال بعض الغموض حول من يقف خلف هذه الأسطورة وعلى العالم أن يقرر الآتي:
هل «داعش» فيروس يجب الحذر من انتقال عدواه، أم «صحوة» ولو مدمرة باسم الدين والمذاهب، و «حرب المئة عام» التي سقطت فيها المنطقة من حرب الإرهاب على الأنظمة، ورد الأنظمة على «كيانات» وتجمعات ساهمت في تشكيلها وبنائها لتتحول خطراً عاماً على الجميع، أو السقوط ضحايا من نوع انقلاب السحر على الساحر.
المنطقة بكاملها تعيش على مقياس «داعش» قتلاً ودماراً شوّها وجه «الخلافة» و «الأمارة» وأي صيغة أخرى من بدع الزمن العربي الخارج عن كل تصنيف.