عندما تكشف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، عن ضلوعها وكبار المسؤولين الأميركيين في البنتاغون والمخابرات في عملية إنشاء «أوكار الدبابير» تنظيم داعش ومثيله في المناطق الإسلامية، لم تتكتم على تفاهمها الشخصي مع مراجع عربية ودولية لإتاحة الفرصة أمام مواليد الأوكار المشار إليهم، الى حد القول إنها نالت موافقة 112 مسؤولاً دولياً تعهد لها بمساعدة «أوكار الدبابير» من الداعشين وسواهم لخلق مناخات تفجيرية تكفل زعزعة الإستقرار في الدول الإسلامية. كما أوضحت كلينتون أنها مع صانعي الوليد الإرهابي قد خص جهداً بالتطورات الحربية المتسارعة ما أضاع على الأميركيين فرصة الإفادة من اختراعهم.
كما أوضحت كلينتون عن أنها فوجئت. بما حدث في مصر بالتحديد، ليس لأنها كانت خارج دائرة الإستهداف بل لأن ما انتهت اليه أضاع على الأميركيين فرصة نجاح الإرهابيين في تغيير الوضع في المغرب العربي وصولاً الى بعض دول المشرق العربي إنطلاقاً من متغيرات مرحلة ما بعد الحرب في العراق، لكن ذلك قد انسجم تلقائياً مع ما حصل في العراق وبعده في سوريا وما كان سيحصل في كل من الأردن وبعض دول الخليج العربي وصولاً الى إيران حيث كان تفاهم واضح المعالم مع المعارضة الإيرانية التي كان الأميركيون قد حددوا مسار التفاهم معها على أساس احداث انتفاضة داخل حكم الأئمة (…)
إن تسارع الأحداث في كل من العراق وسوريا كشف النقاب عن المشروع الأميركي الذي حثهم على تغيير وجهة النظر الأميركية ضد زعامة نور المالكي في العراق وبشار الأسد في سوريا، لكن ذلك زاد من تفاقم الأحداث في البلدين الى حد خلق مناخاً مناسباً للإنتقال بحكم الإرهابيين الى الأردن ومن ثم الى لبنان، حيث يستحيل القول ان واشنطن لم تكن ترغب في تغيير المعادلات في لبنان، لاسيما في حال أفادها ذلك من زعزعة المزيد من عوامل الإستقرار في سوريا، حيث يستحيل على الأسد تطوير علاقاته الداخلية مع المعارضة، الا في حال كان توجه الى تفعيل دور «داعش» من غير حاجة أميركية الى توجيه ضربة عسكرية واسعة النطاق، كما سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن هدد في مطلع الأحداث!
والجديد في مشروع أميركا «زعزعة الإستقرار في المنطقة العربية»، إن كلينتون كشفت عما كانت أميركا تسعى إليه، من غير أن تجد مسؤولاً أو سياسياً واحداً يفصح عن المؤامرة الأميركية باستثناء ما تردد في أوساط مطلعة عن نية أوروبية – أميركية لتهجير المسيحيين تباعاً من المناطق التي سيطرت عليها داعش. ويفهم من كل ما تقدم أن الفاتيكان قد عارض الرغبة الأميركية – الأوروبية مؤكداً تمسكه بالوجود المسيحي في العالم العربي. كما دلت تصرفات الكنائس المسيحية على إختلافها أنها لن ترضى على مشروع افراغ المنطقة من المسيحيين!
كما أوحت تصرفات المسيحيين في العراق ثم في سوريا انهم لن ينساقوا وراء فكرة نقلهم الى دول أوروبية – أميركية (الولايات المتحدة وكندا)، عملاً بنصيحة واشنطن التي لا تزال تتطلع الى خلق مناخات توتر إتني في المنطقة العربية قياساً على المجازر التي استهدفت المسيحيين والأقليات الأخرى في كل من العراق وسوريا، من ضمن خطة إطلاق يد داعش ومن هو مثلها من تنظيمات تسير في الفلك الأميركي وفي مؤامرة تفريغ المنطقة من المسيحيين عموماً ومن الأقليات خصوصاً!
ما يؤكد المؤامرة الأميركية التي أشارت اليها هيلاري كلينتون ان مسؤولاً عربياً واحداً لم يكشف عنها بقدر ما كشفتها الأحداث المتعاقبة بسرعة قياسية، حيث يستحيل القول ان العراق سيبقى دولة واحدة، والأمر عينه ينطبق على الدولة السورية المهيأة لأن تصبح أربع دول غير معروفة أين سيقع فيها نظام داعش وسواه، لأن الأمور سائرة باتجاه المجهول.
اللافت في كتاب كلينتون أنه لم يلق رواجاً في بداية طرحه في المكتبات، لكن أحداث العراق وبعد ترابطها بأحداث سوريا رفعت من مستوى مبيعاته بصورة لم تكن متوقعة، لاسيما أن ما أشارت اليه المسؤولة الأميركية السابقة قد حصل في مناطق، فيما تنتظر دول أخرى تحولاته، لاسيما في بعض مناطق المغرب العربي (ليبيا – اليمن)، إضافة الى دول في المشرق العربي وفي مقدمها العراق وسوريا والأردن ولبنان. أما الغاية الأساسية من فكرة زرع «أوغاد داعش» والإرهابيين فقد أصبحت واضحة خصوصاً بالنسبة الى ابعاد الضوء العربي عن الصراع مع إسرائيل وحصره بصراع مذهبي أمني عربي – عربي وهو ما لم تشر اليه كلينتون، بقدر ما حددته بعض الأحداث المستقبلية التي أشارت اليها؟!