Site icon IMLebanon

«داعش» والمنطقة العربية ولبنان

لأن حزب الله لم يع في حينه، تلك المخاطر والأهوال المدمرة التي ستجلب إلى لبنان وتستنبت في لبنان نفسه تداعيات جنونية تخرج من تحت السيطرة، تصاعداً من ادعاءات مزعومة في ضرورة نجدة بعض اللبنانيين من سكان تلك القرى التي شاءت اتفاقية سايكس بيكو (1916) أن تقع داخل الأراضي السورية، ولأن حزب الله راح ينادي بضرورة الذود عن المقدسات الشيعية وهي إسلامية لجميع المسلمين على حد سواء في سوريا، اندفع بما أعدّ من مقاتلين للغرق في وحول الحرب السورية ليحقق انتصارات موهومة مجبولة بالروح المذهبية في القصير والقلمون. وقد أجاد حقاً استخدام الشباب الشيعة من أهلنا للدفاع عن النظام الأسدي الدموي الفاشي عندما ألبسه عباءة المقاومة وقدم له صك براءة حيال المجازر المخيفة التي يرتكبها بحق الشعب السوري المصلوب. ها نحن نشهد عندنا في الوطن الصغير مخاوف من طراز جديد: وصول داعش وجلاديها القتلة إلى أرضنا بالذات.

كانت جميع تلك الادعاءات تسقط وتتعرى الواحدة تلو الأخرى، ذلك أن الحقيقة باتت أمام اللبنانيين جميعاً والعرب في كل أقطارهم، أن حزب الله في تورّطه في الحرب السورية كان ينفذ أجندات إيرانية أعلنت النفير المذهبي للدفاع عن نظام بشار الأسد، لأن دمشق هي الطريق المؤدية إلى البحر المتوسط تحقيقاً لأطماع نظام طهران في المنطقة العربية ابتداء ببغداد ومروراً بدمشق وبيروت ووصولاً حتى السودان.

ما داعش سوى ذلك المخلوق البربري المذهبي الذي صنعه النظام الأسدي وحليفة المتواطئ نور المالكي بإشراف النظام الإيراني ليطعن الثورة السورية في الظهر، وينشر الإرهاب الأسود في جميع المناطق التي كانت تسقط بين يديه. لقد أفلت المخلوق الوحشي من تحت سيطرة مبدعيه ومهندسيه ليرتد عليهم ويكتسح في طريقه كل ضفاف الفرات في شرقي سوريا ثم يحوّل الموصل والأنباء ونينوى إلى قاع صفصفاً وصولاً إلى محافظة صلاح الدين. مادة دسمة للدعاية الأسدية وأهدافها الرخيصة فهي في آن معاً أمّنت للنظام الأسدي تلك الانتخابات الرئاسية المهزلة، وشكّلت المسوغ الضروري للغرب في الخوف والهلع من الإرهاب المتستر بالإسلام.

إن إعلان نظام طهران النفير المذهبي العام للدفاع عن نظام نور المالكي كما سبق له أن أعلن ضرورة الدفاع عن نظام بشار الأسد، داعياً للتعبئة العامة المذهبية ليواجه الخطر الداهم الذي تمثله داعش يدخل المنطقة العربية في فصل جديد من فصول التلاعب الأميركي الإيراني الذي انكشفت ملامحه جيداً للعيان، ليس بتسليم العراق إلى النظام الإيراني محمية غنية بالنفظ فحسب، بل عبر دمشق وبغداد بإشعال حرب مذهبي اسلامية ـ اسلامية قد تصل تداعياتها إلى لبنان. فقد اصبح الهم الكبير الذي نواجهه في لبنان الآن كيف نواجه هنا الخطر الداهم المسمى «داعش» اذا تسرب إلى ارضنا فتربة الخصام والاحتقان المذهبي عندنا قد اخصبت كثيرا بعد تورط حزب الله في حربه المسماة مقدسة في سوريا. وقد تنكر حزب الله عملياً لإعلان بعبدا الداعي لتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، بل أمعن التورط في الحرب السورية بداعي الدفاع المزعوم عن نظام الممانعة الاسدي الذي هو نفسه الحارس الامين لحدود اسرائيل الشمالية منذ 41 سنة. فكيف يصعق اللبنانيون والسوريون هذه المزاعم؟ أم تراهم يرون في هذا التورط خدمات مجبولة بالدماء لطموحات نظام طهران واطماعه في الاندفاع نحو المتوسط.

هذا والوضع اللبناني في أسوأ حال حيث يعيش لبنان أزمة مخيفة لم يشهد مثيلا لها عبر تاريخه الحديث. فالبلاد بل رئيس والبرلمان عاجز عن انتخاب رئيس جديد. وتنعقد جلساته تباعا دون نتيجة قط. فالتعطيل والفراغ والخواء هو سيد الموقف السياسي والاجتماعي والاقتصادي ـ المالي الآن ـ فالإدارات والقطاعات بل المرافق معطلة، ومصالح المواطنين مصابة في الصميم. وتجتاح البلاد موجة عامة من التحركات المطلبية حيث الكثير منها كان غافلا وفجأة استفاق، وكأن المطلوب اشاعة حالة عامة من التعطيل والفراغ. فكيف بالإمكان تلبية تلك المطالب جميعها، وبصرف النظر عن احقيتها ونحن ان قمنا بذلك نقود لبنان إلى الافلاس. ويحتدم نقاش حاد حول الهدر والفساد والعجز المالي، حيث تشير الاصابع الشجاعة إلى قوى الامر الواقع الممعنة نهبا للمرافق الأساسية ابتداء بالمطار ومروراً بالمرفأ بل وصولا إلى سائر الادارات العامة. ويفطر المواطنون ان يلوذوا بالصمت، وهم يعلمون ان دولة فعلية داخل الدولة تنخر في الجسم اللبناني المشرف على الهلاك. ان تلك الدولة داخل الدولة اللبنانية تلعب دوراً مؤكداً في الهدر والفساد.

ان ازمة وطنية عامة تجتاح لبنان، وهي سياسية اقتصادية مالية معيشية بامتياز. فحزب الله يريد رئيساً للجمهورية يتلقى تعليماته واملاءاته منه هو بالذات. وجميع اللبنانيين يعلمون حق العلم من هو وما هي ملامحه وطموحاته الرئاسية منذ ازمان. الا ان ذلك يبدو مسألة عصية ما دامت هناك قوى سياسية اساسية ما زالت صامدة في مواقعها ترفض بعناد تسليم آخر موقع دستوري لأوامر ونواهي حزب الله حتى ولو تبطنت وتسترت بمزاعم مريبة بالدفاع عن حقوق المسيحيين في حقهم بالرئاسة الاولى التي كفلها دستور الطائف ومهندسو الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فلا نداءات بكركي ودعواتها العقلانية لقوى الأمر الواقع بالكف عن التلاعب بحقوق المسيحيين بل الموارنة تحديداً تلقى آذاناً صاغية، ولا مساعي الزعيم الوطني الثاقب الرؤيا وليد جنبلاط يتجاوب معها أولئك الذين يخرجون كل يوم بدعة جديدة لا تهدف في حقيقتها سوى دفع لبنان نحو حالة عامة من التعطيل والشلل والخواء. مادة دسمة وملف مثير لقابلية النظام الإيراني في مفاوضاته مع الرياض بل واشنطن في رسم خريطة جديدة للمنطقة تسعى من ورائها طهران للسيطرة على الشعوب العربية ومقدراتها تكريساً للمرحلة الإيرانية التي تجتاح وتشمل جميع بلدان منطقتنا.

لقد شهد تاريخنا العربي الضارب عميقاً عبر أحقاب زمنية ما زالت ماثلة في ذاكرتنا، محاولات عديدة للسيطرة على العرب، وفرسنتهم (أي إخضاعهم للفرس) وتتريكهم وما هبّ ودبّ من المرتزقة، إلا أن كل تلك الأطماع قد سقطت وبقي انتماؤنا وهويتنا العربية صامدين وستسقط حتماً الآن جميع المحاولات الجديدة المماثلة، كما ستشهد الأيام المقبلة