صحيح أن الاختلافات لا تُحصى بين «8 و14 آذار»، لكن مصادرهما تتوافق على أن العنوان الأول للحوارات القائمة أو الآتية هو تقطيع الوقت. لو كانت الحلول قد نضجت لما رأينا أو سمعنا عن جلسات الحوار، التي تُعقد بجدول أعمال لا يحتمل الكثير من التفاؤل. فأن تكون مسألة ضبط الخطابات الموتورة إنجازاً مبتغىً، فذلك إعلان صريح بأن لا برنامج سياسياً للحوار بين «حزب الله» و «المستقبل»، تقول شخصية قيادية في «14 آذار». وبعد تخفيض السقف، صار يصعب حتى لقانون الانتخاب أن يقف تحته، فكيف بمعالجة الشغور الرئاسي؟
ليس ذلك مستغرباً بالنسبة للمصدر الآذاري الذي يعتبر أن انتخاب الرئيس خرج من دائرة التأثير الداخلي، بعد إصرار «8 آذار» على مقاطعة الجلسات النيابية، وعدم قيام «حزب الله» بأي خطوة لتسهيل الأمر. المصدر نفسه يذكّر أن فلسفة تشكيل الحكومة في الأساس كانت مرتبطة بخلق حزام أمان، يمكّن البلد من التعامل مع فراغ طويل في الرئاسة.
درب الرئاسة طويل. ذلك أمر مفروغ منه بالنسبة لكل المعنيين. في الآونة الأخيرة، وربطاً بما يحكى عن ترابط ملف الرئاسة بالأزمات الإقليمية، تركز الحديث على ترابطه مع ملف الأزمة السورية. يعتمد هؤلاء على ما قيل إنها تقارير ديبلوماسية تتحدث عن إبلاغ إيران للموفد الفرنسي فرنسوا جيرو بالترابط المذكور.
الأكيد، وبغض النظر عن هذه التقارير، أنه عندما يسلّم الجميع بأن الرئاسة جزء من الملف الإقليمي، فهذا يعني تسليمهم بأنها جزء من ملف النزاع السوري، انطلاقاً من كونه الملف الأكثر خطورة وتأثيراً في المنطقة.
بعد ذلك، يصبح يسيراً الاختلاف بين رؤيتين تمثلهما «8 و14 آذار»: الأولى تعتبر أنه لن يأتي رئيس للبنان من دون موافقة سورية. والثاني يهزأ من إعطاء أهمية للدور السوري، مذكراً أن النظام السوري، كما «حزب الله»، لا يجب التعامل معهما سوى انطلاق من كونهما جزءاً من الأوراق الإيرانية في المنطقة، وبالتالي فإن على الجميع أن يعرف أن من يعرقل الرئاسة في لبنان هم الإيرانيون، من خلال اختبائهم خلف موقف «حزب الله» الذي يعتبر أن الحل والربط في الموضوع الرئاسي عند ميشال عون، رافضاً النقاش في الأمر.
يرفض المصدر تحميل السعودية وحلفائها مسؤولية التعطيل، انطلاقاً من عدم إعطائه وزناً للدور السعودي في المنطقة. ويقول إن طموح المملكة لا يمكن مقارنته بالطموح الإيراني الذي يمدّ أذرعته إلى مختلف دول المنطقة. كما يذكر أنها منذ البداية لم تطلب رئيساً موالياً لها، إنما دعت اللبنانيين إلى الاتفاق على انتخاب رئيس.
باختصار، يرى المصدر الآذاري أنه ليس ممكناً حسم الاتجاهات السياسية في لبنان قبل بت مسألة النفوذ الإيراني وعودة طهران إلى حدودها الجغرافية. كما يعتبر أن الاتفاق النووي الإيراني إن تم سيكون انعكاسه الطبيعي تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، وهو ما يجعل حلفاءها في لبنان يتواضعون ويقبلون بالشراكة المتمثلة بإيجاد رئيس توافقي.
في مقلب «8 آذار» الرؤية مختلفة تماماً. هناك ثقة بأن الأرض السورية هي التي ستحسم الخيار الرئاسي، من دون أن يكون للاتفاق النووي أي رابط.
يفضل المصدر عدم تحميل مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي لأي فريق، مشيراً إلى أن أياً منهما لا يستطيع أن ينتخب رئيساً بمعزل عن الآخر، ولذلك فإنهما يفضلان إعطاء الانتظار مساحة أكبر، علّ الوقت يزيد من حظوظهما. لا يعطي المصدر نسبة متعادلة لحظوظ نجاح كل فريق. يبدو واثقاً أن محور الممانعة سينتصر. ليست إيران مَن سيفرض الرئيس، يقول، لكنه يذكر أن تقدم النظام السوري سيغير موازين القوى الداخلية، إذ يجعل حلفاءها قادرين على طرح خياراتهم بثقة أكبر، كما يسمح للدول المترددة بأن تعلن مواقفها بشكل أوضح، كمصر وبعض دول الخليج وأوروبا. حتى دخول «المستقبل» في الحوار يعتبره المصدر بداية تموضع سعودي تحضيراً للمتغيرات المتوقعة.