مع الجيش اللبناني ضد المسلّحين، نعم وبكل تأكيد، ضد جميع المسلّحين، المتعددي الجنسية القادمين من وراء الحدود، أو اللبنانيين المتعددي الانتماء والمذاهب العابثين داخل الحدود. هذا خيار واضح لا تردّد فيه، كان صحيحاً قبل اندلاع الأزمة السورية عندما تعالت المناشدات لأن يكون سلاح الجيش السلاح الشرعي الوحيد، ويبقى صحيحاً اليوم وغداً بعدما ظهرت المجموعات الارهابية وتحاول أن تكرر في لبنان سيناريوات الرقة السورية ونينوى العراقية وبنغازي الليبية وأبين اليمنية.
معروف في لبنان مَن كان يطالب بأعلى الصوت بتعزيز الدولة، بتجهيز الجيش والاعتماد عليه. ومعروف أيضاً مَن كان حتى أمس قريب لا يبالي بهذه الدعوات ويعتبرها فئوية موجهّة فقط ضد “سلاح المقاومة”. للمفارقة نجد أن الفريق الذي كان يستخف بهذه الأولوية الوطنية يقفز لتصدّر الحملة الشعبية العفوية المتضامنة مع الجيش وكأنه يقودها، متناسياً أن الكثير مما نشهده حالياً هو نتاج سعيه الى الاستحواذ على الدولة والجيش.
لا أحد ينقض الأولويات التي فرضت نفسها، وعلى رأسها طرد “داعش” و”جبهة النصرة” وإنهاء اعتدائهما على السيادة اللبنانية، وقطع الطريق على اختراقهما مناطق السنّة. أما الأولوية القصوى غير القابلة للجدل فهي للوقوف مع الجيش في مواجهة المخاطر المتصاعدة. حيال وضع كهذا، يُراد للبنانيين أن يعتبروا ما يحصل كأنه طارئ، لم تكن له مقدّمات، ولن تكون له عواقب، فلا داعي للنقاش حوله، أو فليؤجل النقاش “الى يوم آخر”، كما تمنّى رئيس الحكومة. لم تكن المشكلة يوماً في الأفكار ووجهات النظر مهما احتدّت وسخنت، وإنما في اعتداءات عديدة مديدة على السيادة، دولةً وجيشاً، وأرجئ نقاشها وفشلت معالجتها فبقيت نتائجها واعتملت وواصلت تسميم البلد والمجتمع. اعتداءات من النظام السوري ليست معركة نهر البارد أولها ولا الاغتيالات السياسية آخرها. واعتداءات من “حزب الله” ليس أولها المشاركة في الاغتيالات وانتهاك بيروت وإسقاط “حكومة توافقية”، ولا آخرها الاستهزاء بهيبة الدولة وبالإجماع الوطني على عدم التدخل في الصراع السوري.
فالنقاش ليس مطلوباً لذاته، أو لإذكاء الشحن الطائفي، بل هو مطلوب أولاً داخل الحكم لبلورة سياسات تكون بوضوح لمصلحة جميع اللبنانيين. طوال الأعوام السابقة، هل سمع أحد من عرسال وأهلها شيئاً آخر غير المطالبة برعاية الدولة والجيش، وهل توقع أحد أن تنجح بلدية عرسال وحدها في ضبط أوضاع النازحين السوريين؟ لكن الاهمال وانعدام الرؤية والاعتبارات السياسية شاءت غير ذلك. وما دام الخطر دهم لبنان فعلاً ولا سبيل إلا دعم الجيش، فالأحرى أن يُدعم بخطوة وطنية سامية هي انتخاب رئيس للجمهورية، وبخطوة اخرى من “حزب الله” الذي بات يعلم الآن أن سحب مقاتليه من سوريا هو الدعم الحقيقي للجيش.