دعم الجيش لمواجهة تحدّيات الإعتداءات الإرهابية يتطلّب الإنتقال من إصدار البيانات إلى تنفيذ خطوات سريعة
فك أسر إنتخاب الرئيس وانسحاب حزب الله من سوريا والإمتناع عن استخدام السلاح بالداخل
إن اعتداءات المتطرّفين الإرهابيين على الجيش في عرسال وجوارها جرس إنذار لكل الأطراف والفئات اللبنانية
التضامن السياسي الواسع والداعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية لمواجهة هجمة الاعتداءات الإرهابية الشرسة للمجموعات المسلحة المتطرّفة القادمة من سوريا لاحتلال بلدة عرسال وجوارها، يشكل حافزاً مهماً وضرورياً لإعطاء المؤسسة العسكرية الغطاء السياسي الكامل والزخم المعنوي المطلوب للانطلاق قدماً في مهماتها لردع المعتدين ودحرهم ومنعهم من استهداف أمن لبنان واستقراره وتحوله الى مناطق نفوذ جديدة تابعة لتنظيماتهم المتطرفة كما حصل في سوريا والعراق مؤخراً.
ولكن لكي يعطي هذا التضامن مفعوله ويحقق مبتغاه، لا بد وأن يترافق مع العديد من الخطوات السريعة والممارسات المساعدة، لأنه لا يمكن الاكتفاء ببيانات الدعم والتأييد الظاهرية وغير القابلة للصرف على أرض الواقع.
ومن هذه الخطوات السريعة حسب مصادر سياسية بارزة، أولاً المبادرة الى إجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت ممكن والامتناع عن كل ما من شأنه تعطيل إجراء هذه الانتخابات تحت أي ذريعة كانت، كما يفعل «حزب الله» حالياً بالتناغم مع حليفه زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون، كون انتخاب رئيس جمهورية جديد يعطي زخماً قوياً لسلطة الدولة ويؤثر إيجاباً في تشكيل حكومة جديدة تتولى مهمات السلطة وتدير البلاد بفاعلية أقوى، في حين أن الفراغ في سدة الرئاسة الأولى يؤدي الى ضعف بالسلطة كلها ويؤثر سلباً على هيبة الدولة ككل ويؤدي الى إضعاف باقي المؤسسات والإدارات العامة، وتراجع أدائها كما هو حاصل حالياً.
فلا يمكن التستّر على مسؤولية «حزب الله» في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية مهما تشاطر قياديوه ونوابه باختراع الحجج والذرائع الزائفة لتبرير ممارساتهم المكشوفة، إلا بتعمّد إضعاف مؤسسات الدولة لتحقيق مصالح الحزب العابرة للحدود والمتعارضة كلياً مع مصالح اللبنانيين واستقرار الدولة ووحدتها.
ثانياً، الانسحاب السريع لجميع عناصر الحزب من الحرب الدائرة في سوريا وبعدها العراق حالياً كما يتردّد في وسائل الإعلام، لأن تدخّل الحزب للقتال الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد القاتل لشعبه، تارة للدفاع عن المقامات الشيعية وتارة أخرى لمواجهة التنظيمات التكفيرية وتارة لمنع سقوط نظام الأسد ولكل حالة شعار يخترعه الحزب ليبرر قتاله بسوريا ولكن الهدف أصبح معروفاً للقاصي والداني وهو لمنع سقوط المشروع المذهبي الفارسي الممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق ووصولاً الى لبنان، سيعطي الذرائع للتنظيمات الإرهابية في سوريا وغيرها لعبور الحدود الى لبنان لتنفيذ اعتداءاتها وهجماتها، كما حصل في العديد منها طوال الأشهر الماضية ومنذ انغماس الحزب بالقتال في سوريا.
ثالثاً، إمتناع «حزب الله» عن ممارساته في استعمال السلاح بالداخل اللبناني، إن كان لتحسين مواقعه السياسية أو للاستيلاء على السلطة، كما حصل في السابع من أيار عندما اجتاح بيروت واعتدى على أهلها الآمنين بسلاح ما يسمّى بالمقاومة أو عندما أسقط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري وأتى بقوة عراضات القمصان السود بحكومة نجيب ميقاتي وغيرها من الممارسات الاستقوائية التي لم تتوقف يوماً حتى الآن، إن كان في منع تسليم المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو إبقاء مناطق نفوذ وسيطرة الحزب بمعزل عن سلطة الدولة ونفوذها، ووقف كل اشكال التهديد للسياسيين أياً كانت ميولهم وتوجهاتهم.
رابعاً: وقف لممارسات التدخل في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية على اختلافها وترك هذه المؤسسات تقوم بممارسة مهماتها وفقاً للقوانين المعمول بها بالتساوي بين جميع المواطنين ومن دون تمييز التابعين للحزب وحلفائه عن الآخرين، لئلا تنعدم الثقة بهذه المؤسسات وتبقى عاجزة عن القيام بالمهمات المطلوبة منها إن كان في حفظ الأمن أو تسيير أمور الدولة الأخرى.
ومن وجهة المصادر السياسية البارزة، فان الاستمرار بتعطيل الانتخابات الرئاسية على الشكل الحاصل حالياً من قبل «حزب الله» وحليفه النائب عون واستمرار الوضع القائم حالياً من دون تبديل في النهج والممارسة واستمرار انغماس الحزب بالحرب الدائرة في سوريا، يبقي السلطة القائمة حالياً غير مكتملة كما هو مطلوب والثغرات مفتوحة امام موجة جديدة من الاعتداءات الإرهابية المتطرفة، ويعرض الجيش والقوى الأمنية لتحديات شتى قد يصعب عليهم التكهن بحدوثها أو مواجهتها في حال تكررت في اكثر من مكان ومنطقة مستقبلاً بالتزامن مع التطورات المتسارعة في سوريا والدول العربية المجاورة.
وترى المصادر السياسية المذكورة أن اعتداءات المتطرفين الارهابيين على الجيش في عرسال وجوارها، ليست موجهة إلى طرف سياسي أو فئة معينة بحد ذاتها، بل هي بمثابة جرس إنذار لكل الاطراف والفئات اللبنانية على حدّ سواء، ولا بدّ من تضافر جهود وتوحيد مواقف كل الأطراف من دون استثناء لمواجهتها ومنع خطر تمددها إلى مناطق أخرى بالداخل اللبناني يتعاطف بعض مجموعاتها الأصولية مع هذه التنظيمات المتطرفة ويتلاقى معها في توجهاتها العنفية لتحقيق اهدافه التي تتعارض كلياً مع توجهات ورؤى الاكثرية الساحقة للشعب اللبناني كما اظهرت الوقائع ذلك.
ولذلك، فان الأيام القليلة ستكشف للبنانيين مدى تحسس كافة الأطراف السياسية لمخاطر وتحديات الاعتداءات الإرهابية التي يتعرّض لها الجيش في عرسال والجوار، وكيفية ترجمة بيانات التأييد لوقائع ملموسة، فإما تؤدي إلى اطلاق حرية الحركة السياسية والمسار الدستوري لانتخابات رئاسة الجمهورية بالشكل المطلوب ومن ثم تأليف حكومة جديدة، أو تُبقي هذه الانتخابات رهينة السلاح العابر للحدود للدفاع عن المشاريع المذهبية المشبوهة، وعندها ستبقى بيانات التأييد ظاهرية لا تقدّم ولا تؤخّر، وتبقي الجيش والقوى الأمنية عُرضة لتحديات وهجمات واعتداءات لا يمكن التكهن بنتائجها.