نقل عن الأخضر الإبراهيمي عندما كان مبعوثا امميا إلى أفغانستان أن وساطته في لبنان نجحت واستمرت بفضل نجاح الجيش اللبناني وأنها لم تنجح تماما في أفغانستان بسبب إخفاق الجيش الأفغاني. في لبنان، أجرت قيادة الجيش دمجا للعسكريين من مختلف المناطق والطوائف بحيث باتت كل وحدة مهما كان حجمها تتألف من عسكريين من مختلف المشارب. في أفغانستان لم يجر الدمج فتعثر أداء الجيش هناك.
في ثمانينيات القرن الماضي، عانى الجيش اللبناني من الانقسامات، فكانت سلطة الزعماء الطائفيين والسياسيين تطغى على سلطة القيادة في منطقة النفوذ الطائفية، وكان العسكريون ينضوون في وحدات طبقا لانتمائهم الجغرافي والطائفي، وهذا ما حد من دور الجيش الامني والدفاعي.
في العام 1990 بعد عملية توحيد الجيش كان القرار الاول والاهم هو دمج العسكريين فباتت كل وحدة عسكرية تمثل لبنان، وغابت الولاءات المناطقية والطائفية والسياسية ليحل مكانها الولاء للدولة والمؤسسة، وألغي الطابع الطائفي والمناطقي لوحدات الجيش وألويته.
واجه الجيش اول استحقاق دفاعي في عملية «تصفية الحساب» الاسرائيلية في تموز 1993 عندما تصدى للعدو وثبت في مواقعه الامامية في الجنوب وقدم كوكبة شهداء من كل الطوائف.
في تلك السنة، كان احد الالوية المتجذر في جبل لبنان سابقا، قد انتشر على احدى جبهات الجنوب واصيب بعض العسكريين جراء القصف الاسرائيلي ونقلوا الى صيدا وكانت المفاجأة انه فور تلقيهم العلاج رفضوا مأذونية النقاهة وطلبوا العودة الى مراكزهم تحت القصف للانضمام الى رفاقهم.
تكرر المشهد الوطني عام 1996 في عملية «عناقيد الغضب». وفي حالة اخرى، قصفت طائرة اسرائيلية مركزا للجيش كان يطلق النار عليها في عربصاليم في اقليم التفاح ما ادى الى استشهاد ضابط وخمسة عسكريين شاءت الصدفة ان يكون كل واحد من طائفة مختلفة.
لم تكن عمليات الجيش لتنجح في الضنية في العام 2000، لولا دمج الوحدات. في عام 2005 تجاوز الجيش الانقسام العمودي وارتداداته بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بفضل دمج العسكريين في بوتقة واحدة، فصمد الولاء الوطني وصمدت معه الدولة ووحدة البلاد.
ان مناسبة هذا الكلام هي قرب الانسحاب الاميركي من افغانستان وعدم ثقة الولايات المتحدة بقدرة الجيش الافغاني بسبب الانتماءات القبلية والعشائرية للجنود.
والمناسبة الراهنة للكلام هي الفشل الذريع للجيش العراقي في مواجهة مسلحي «داعش» في الموصل، ما ادى الى كارثة عراقية واقليمية ودولية باحتلال منظمة ارهابية مدينة يبلغ عدد سكانها مليونا وثمانمئة الف نسمة.
في المراجعة، نجد ان الجيش العراقي تلقى تمويلا كبيرا فاق بالمقارنة ما تلقاه الجيش اللبناني لكن المعلومات تشير الى ان تنظيم الوحدات لم يراع دمج الوحدات والقيادات بين مختلف الطوائف والمناطق والاثنيات التي يتألف منها «الموزاييك» العراقي، فضعف الضباط والعسكريون امام العقل الجمعي الطائفي والمناطقي والعشائري الذي غلب العقل الوطني الدولتي وادى الى حدوث اخطاء كبيرة بلغت اوجها في الموصل.
ان تجربة الدمج في الجيش اللبناني هي تجربة مشرفة يقتضي ان تلقى دعما من جميع القوى السياسية اللبنانية عبر منع التعرض للجيش والدعوة للالتفاف حوله لانه أثبت أنه قيمة وطنية عالية، يجب على البعض ان يفهمها جيدا وأن يحفظها، خصوصا بعد كارثة الموصل.