لا للتسويات السياسية المذلة في هذه اللحظات الحرجة، والتي تفرض حلولا غير منطقية لا تحفظ كرامة الوطن ولا تصون حدوده ولا تدافع عن ابنائه. ما طرح عن تفاوض غير مباشر مضحك ومثير للسخرية، اذ فيه تعمد الدولة الى التفاوض مع قطّاع الطرق، وقد فعلت حكومات متعاقبة ذلك في تاريخ لبنان الحديث، مع عشائر وقبائل، وكانت الحجة الدائمة تجنب سفك دماء اللبنانيين. لكن الوضع يختلف تماماً هذه المرة إذ ان الارهابيين التكفيريين ليسوا لبنانيين، بل ان جنسياتهم المتعددة مجهولة منا. فهم، الى السوريين، خليط من ارهابيي العالم كله، وربما اراد هذا العالم “المتحضر” تجميعهم في بؤرة واحدة للقضاء عليهم، ولهدف آخر هو اقتتال المسلمين في ما بينهم لالهائهم زمناً طويلا واضعافهم.
وهذه الممانعة لا تقفل الطريق على مبادرات وتسويات يعمل لها البعض، لكن الحلول يجب ألا تصير صفقات على حساب الناس وعلى دماء شهداء الجيش الذين تصبح شهادتهم بلا قيمة او معنى، ويصير موتهم هباء. التفاوض يحصل عادة بين قوى متوازية، من دولة الى دولة، ومن جيش الى جيش، ومن عصابة الى عصابة. اما تنازل الدولة والجيش الى مستوى العصابات فهذا امر غير مسموح.
واذا كان تنظيم “داعش” يهددنا عبر الحدود مع سوريا، وقد اجتاح الحدود اللبنانية والكرامة اللبنانية عبر عرسال، فان ثمة قوى في الداخل لا تقل خطراً عن “داعش” بل يمكن وصفها بالـ”دواعش”، وهي على كل المستويات وتتوزع على المذاهب والاديان لانها تشكل تهديداً للبنان الكيان والصيغة، وتغرقه في صراعات الآخرين.
من “الدواعش” زعماء الموارنة الذين يؤدي اختلافهم في كل مرة الى تعطيل الدولة واستحقاقاتها، وهم بعدم اتفاقهم جعلوا الموقع المسيحي الاول في لبنان، والوحيد على هذا المستوى في الشرق وفي العالم الاسلامي، شاغرا، وهم متلهون في حساباتهم الصغيرة.
من “الدواعش” ايضاً “حزب الله” الذي ورط لبنان بمشاركته في الحرب الدائرة في الداخل السوري، وجعل الحدود مشرعة، فصارت كذلك في الاتجاهين، ولم يعد ممكنا ضبط الدخول والخروج. وكان عليه ان يشكل سرايا لحماية الحدود ومراقبتها بالتعاون مع القوى الامنية الشرعية.
ومن “الدواعش” خصوصاً أهل السنّة الذين لا يتضامنون مع الجيش اللبناني او يتعاطفون مع “داعش” و”النصرة” لأن أمر هؤلاء يختلف تماما عن ظاهرة احمد الاسير اللبناني والذي نال تأييداً في محيطه. هؤلاء غرباء وقتلة وارهابيون، وتأييدهم من اناس عاديين او من نواب خيانة وطنية كبرى، بغض النظر عن كل ما يطرح في المجالس عن خطة من “حزب الله” لاقحام الجيش في عرسال، وكل كلام آخر سخيف، لان الخطر المحدق بنا جميعاً، وبالسنّة ايضا، اكبر بكثير من التلهي بقراءات وتفسيرات سياسية لا تبني وطناً ولا مجتمعاً، ولا تحفظ لنا بلداً ولا كرامة.