ترى أوساط بكركي أن شغور منصب رئاسة الجمهورية إذا ما حصل فان ذلك يشكل خللاً في صيغة الميثاق الوطني وفي المعادلة التي يقوم عليها العيش المشترك، وهذا ما جعل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول: “لن نقبل أن نبقى بلا رئيس دقيقة واحدة، وهذا أمر مرفوض لأن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ورئاسة الجمهورية ليست شيئاً إضافياً على البلد، فكيف يمكن أن نقبل بالفراغ، ما هذا التلاعب وكيف يعيش جسد بلا رأس؟”.
الواقع ان الميثاق الوطني خصص رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة ورئاسة الحكومة للسنّة، وتطبيق هذا الميثاق حافظ على رئاسة المجلس للشيعة ولم يحصل أي شغور فيها وحافظ على رئاسة الحكومة للسنّة ومنع الشغور فيها بالاستمرار في تصريف الاعمال عند استقالتها الى ان يتم التوصل الى تشكيل حكومة جديدة، لا بل ان الدستور لم يحدد حتى مهلة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة فبات في استطاعته إذا شاء أن يستمر في محاولة التشكيل ولا يعتذر عن ذلك إلا ساعة يشاء. وكانت رئاسة الجمهورية المخصصة للموارنة لا تتعرض للشغور لأن انتخاب الرئيس واجب وطني ويحتمه الميثاق الوطني، ولم يفكر المشترع في ان خرق هذا الميثاق محتمل بإقناع عدد من النواب لأسباب شتى عن عدم حضور جلسات الانتخاب لتعطيل نصابها كما يحصل حالياً. لكن دستور الطائف الذي حرم رئيس الجمهورية حق تسمية الوزراء واختيار رئيس للحكومة من بينهم نص في مادته الـ62: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علَّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”. وعندما وضع المشترع هذا النص لم يرد في ذهنه سوى احتمال وفاة رئيس الجمهورية أو استقالته أو إصابته بمرض يفقده القدرة على العمل وليس احتمال إقدام نواب على تعطيل نصاب جلسات الانتخابات الرئاسية وإلا لكان أضاف الى المادة 73 عبارة: إذا لم يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب رئيس جديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض ولم يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، فان رئيس الجمهورية يعود له عندئذ حق تشكيل حكومة برئاسة ماروني تمارس صلاحياته إلى أن يتم انتخاب رئيس خلفاً له. واذا اعتبر السنّة ان هذا الحل يناقض صيغة الميثاق الوطني الذي يعطيهم الحق برئاسة الحكومة فليكن الحل عندئذ بأن يستمر رئيس الجمهورية في تصريف أعمال الرئاسة إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد أو اعتماد اي حل آخر يحافظ على ركائز الميثاق الوطني لأنه لم يعد مقبولاً ولا معقولاً أن يتحول الاستحقاق الرئاسي مشكلة كلما حان موعده، إما لرغبة رئيس في التجديد أو التمديد، ولا حل لهذه المشكلة إلا بتعديل المادة 49 من الدستور وإمرار هذا التعديل تحت عبارة “لمرة واحدة” لتصبح مرات، وإما لرغبة نواب ولأسباب شتى في تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس جديد، ما يجعل الحاجة ماسة لتحصين هذا الاستحقاق وإخراجه من لعبة المساومات والابتزاز وذلك بجعل الماد 49 من الدستور غير قابلة للتعديل حتى وإن تطلّب ذلك إضافة نص هذه المادة الى خطاب القسم الذي يؤديه رئيس الجمهورية أمام المجلس بعد انتخابه.
وتتساءل أوساط سياسية: هل يجوز أن تبقى البلاد من دون رئيس لأن الموارنة لم يتفقوا على اختياره، أو تبقى من دون رئيس لأن في إمكان عدد من النواب تعطيل جلسات الانتخاب بتغيبهم عنها بغية الحؤول دون انتخاب رئيس غير مقبول منهم؟ لقد بات مطلوباً من كل ماروني يرغب في الترشح للرئاسة الأولى أن يقدم ترشيحه رسمياً لأمانة المجلس مرفقاً ببرنامجه كي يعرف النواب من ينتخبون ولا يفاجأون بمرشح يهبط عليهم بمظلة. وترى الأوساط نفسها أن إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في حال خلت سدة الرئاسة لا تشكل خرقاً للميثاق الوطني فحسب، انما تجعل الحكومة لا تستطيع ممارسة كل صلاحيات الرئيس أو يختلف أعضاؤها على ذلك. فما العمل اذا استقالت الحكومة ولمن تقدم استقالتها؟
إن هذه الثغر في دستور الطائف يجب سدّها كي لا يواجه لبنان في كل انتخابات رئاسية مشكلة التجديد أو التمديد أو مشكلة الفراغ الذي تسد الحكومة جزءاً منه موقتاً لا أن يصبح الموقت لا وقت له ويصبح الموارنة خارج معادلة الميثاق الوطني. فهل يعي النواب، ولا سيما منهم الموارنة، مسؤوليتهم الوطنية في ممارسة حقهم في الانتخاب وليس في تعطيله؟