Site icon IMLebanon

دولة بلا رأس

 

إنها الصورة الوحيدة التي لا تتجدّد يوميا كصور مواقع التواصل، وإنما تتغيّر مع تبدّل العهود. هي صورة رسمية لأعلى منصب رئاسي في الجمهورية اللبنانية، صورة رئيس الجمهورية اللبنانية التي تتصدّر مكاتب الوزراء والمؤسسات الرسمية والمصالح التابعة للدولة اللبنانية.

باتت صورة الرئيس تعني الذكرى بخلاف كل الصور التي يتم التقاطها للذكرى! ومع تعطيل مهمّة مجلس النواب الإنتخابية للإتيان برئيس جديد للجمهورية يخلف العماد ميشال سليمان، يعيش لبنان شغوراً في موقع الرئاسة منذ ما يقارب التسعين يوما. كثر يتحدّثون عن الرئيس سليمان وكأنه لايزال رئيسا، فيما صوره لم تعد تتصدّر المؤسسات الرسمية، عملا بالقوانين والتعاميم، ومنهم من اعتادت عينهم على رؤية صورة الرئيس، وبعضهم يعتبره مجرّد تقليد ومنهم من يراه مصدر أمان. وبقدر تأثير الفراغ الرئاسي على يومياته فإن مصير تلك الصورة سيثير فضوله: إطار فارغ أم إزالة الإطار أم صورة لرئيس سابق؟

صورة الرئيس تعني الواقع. ولبنان بلا رئيس يعني مؤسسات بلا صورة ودولة بلا رأس وبلد لا صوت له ولا صورة! القضية ليست مزاجية أساسا، بل إن تعميم الصورة أو إزالتها يستند الى مرسوم يسمّى «مرسوم التشريفات« يصدر عن القصر الجمهوري، ويعود القرار النهائي بعدها لكل مؤسسة أن تختار.

قانونيا ماذا تعني الصورة ومتى توضع ومتى تُزال؟ يشرح الاستاذ المحاضر في القانون الدولي الدكتور أنطوان صفير أن «وضع صورة الرئيس أساسية في كل الأنظمة التي تعتمد ذلك في مراسيمها على اعتبار أنه يمثّل السلطة الأعلى في البلاد«، ويتابع «على كل مسؤول رسمي على المستويين السياسي والإداري وضع الصورة في مكتبه، وبالتالي تبقى صورة الرئيس موجودة طالما الرئيس في سدّة الحكم«. ومتى يجب أن تُزال الصورة؟ يقول صفير «إزالة الصورة هي خطوة طبيعية بعد انتهاء ولاية الرئيس باعتبار أنه لم يعد رأس السلطات وبالتالي يجب نزعها ووضع صورة الرئيس الجديد مكانها، وفي حال الفراغ كما هو حاصل اليوم، تُزال صور الرئيس السابق ويمكن الإبقاء على الإطار أو إزالته أيضا، هذا شكلي«. ويختم صفير «وضع صورة الرئيس يأتي ضمن مرسوم ينظّم بروتوكول الجمهورية اللبنانية الصادر في العام 2000 واسمه مرسوم التشريفات والمراسم الرقم 4081».

إذاً يتناسب مع الجمهورية «المفرّغة« إطار فارغ مع خلفية بيضاء، أو إزالة الإطار بكامله، في وطن بات فيه المواطنون يبحثون ليس عن رئيس فقط أو عن صورة له وإنما عن لملمة ما تبقّى من البلد! الأمر ليس سيّان في كل المؤسسات، علما أن صورة الرئيس لا تُرفع في غرف المؤسسات كلّها، إنما في مكاتب الوزراء أو المسؤولين والمدراء العامين ورؤساء الدوائر والمصالح ومنها البلديات والمحافظات..

لا بدّ أن يكون الإنطلاق بداية من القصر الجمهوري. هناك أُزيلت الصورة التي تتصدّر القصر مع الإطار، في اليوم التالي لإنتهاء ولاية الرئيس سليمان استنادا الى مرسوم التشريفات، ويلفت مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير الى أنه «عمّم المرسوم في اليوم التالي لإزالة الصور وإزالة الإطار كاملا«. وتجدر الإشارة الى أن موقع رئاسة الجمهورية الالكتروني تتصدّره صورة للقصر الجمهوري مع شعار رئاسة الجمهورية اللبنانية فقط من دون صورة الرئيس.

في السرايا الحكومية أُزيلت الصورة مع الإطار وهذا ما تنقله الكاميرات خلال اجتماعات مجلس الوزراء. لكن القاعدة ليست ثابتة في كل المؤسسات، فعلى سبيل المثال إن محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل أبقى على صورة العماد ميشال سليمان في مكانها، فيما أُزيلت الصورة من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأُبقيَ على الإطار معلّقا مع خلفية بيضاء، وأبقى جهاز أمن المطار على صورة قائد الجيش وحدها من دون صورة الرئيس.

في وزارة الإعلام، في مكتب الوزير رمزي جريج لاتزال صورة سليمان تحافظ على موقعها السابق. من جهته، وتماشيا مع القانون، أزال وزير الإتصالات بطرس حرب صورة الرئيس السابق وكذلك فعل وزير السياحة ميشال فرعون ووزير العدل اللواء أشرف ريفي بعد انتهاء الولاية الرئاسية تنفيذا للأصول والأعراف. وارتأى وزير الزراعة اكرم شهيب أن يُبقيها في مكانها، كذلك فعلت وزيرة المهجّرين أليس شبطيني، بينما أزال وزير المالية علي حسن خليل الإطار بكامله، وكذلك فعل وزير البيئة محمد المشنوق ووزير التنمية الإدارية نبيل دو فريج ووزير الثقافة روني عريجي ووزير الطاقة والمياه أرتور نظاريان.

يجلس وزير الإقتصاد الآن حكيم خلف مكتب متواضع تتكدّس فوقه الملفّات والأوراق. لا تبدو خلفه سوى نوافذ زجاجية، إلا أنه ترك صورة سليمان على الجدار ذاته داخل المكتب حيث كانت. فيما يبدو أن كلا من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الشباب والرياضة عبد المطّلب حنّاوي يرفض الفراغ الكامل، فقرر كل منهما وضع صورة له مع فخامة الرئيس.